الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فظاهر السؤال عما إذا كان نظر المرأة إلى غير محارمها بدون حجاب ينقض الوضوء.
والجواب: أن الأصل غض المرأة بصرها عن غير محارمها؛ لأن الله -عز وجل- قال لنبيه ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-: (وقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ) (النور:31). ولما نظر الفضل بن عباس -رضي الله عنه- إلى المرأة التي كانت تسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أمر من أمور دينها صرفه، وكان يصرف وجهه عنها، وذلك فيما رواه عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- بقوله: أَرْدَفَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الفَضْلَ بنَ عَبَّاسٍ يَومَ النَّحْرِ خَلْفَهُ علَى عَجُزِ رَاحِلَتِهِ، وكانَ الفَضْلُ رَجُلًا وضِيئًا، فَوَقَفَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِلنَّاسِ يُفْتِيهِمْ-، وأَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ مِن خَثْعَمَ وضِيئَةٌ تَسْتَفْتي رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَطَفِقَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إلَيْهَا، وأَعْجَبَهُ حُسْنُهَا، فَالْتَفَتَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- والفَضْلُ يَنْظُرُ إلَيْهَا، فأخْلَفَ بيَدِهِ فأخَذَ بذَقَنِ الفَضْلِ، فَعَدَلَ وجْهَهُ عَنِ النَّظَرِ إلَيْهَا، فَقَالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ في الحَجِّ علَى عِبَادِهِ، أدْرَكَتْ أبِي شَيْخًا كَبِيرًا، لا يَسْتَطِيعُ أنْ يَسْتَوِيَ علَى الرَّاحِلَةِ، فَهلْ يَقْضِي عنْه أنْ أحُجَّ عنْه؟ قَالَ: نَعَمْ([1]).
والنظر له صفتان:
الصفة الأولى: نظر الفجأة بمعنى أن المرأة تنظر فجأة فهذه النظرة تجوز إذا كانت المرأة لم تبيتها وإنما حدثت لها فجأة، والأصل فيها قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما رواه بريدة بن الحصيب الأسلمي -رضي الله عنه-: “يا عليُّ ! لا تُتبعِ النَّظرةَ النَّظرَةَ، فإنَّ لَكَ الأولى، ولَيسَتْ لَكَ الآخرَةُ “([2])، وعن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: سَأَلْتُ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عن نَظَرِ الفُجَاءَةِ فأمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي([3]).
الصفة الثانية: النظرة المبيتة فهذه لا تجوز لغير المحارم بل يجب على المرأة أن تغض البصر كما أمر الله بذلك في الآية المشار إليها، وفي كل الأحوال على المرأة أن تحتجب عن الرجال الأجانب، فلا تظهر شعرها، أو تبدي زينتها أو ما يفتن منها.
أما السؤال عما إذا كان النظر إلى غير المحارم ينقض الوضوء، فليس بصحيح؛ لأن نواقض الوضوء معلومة، وليس منها النظر إلى غير المحارم.
والله -تعالى- أعلم.
[1] أخرجه البخاري (6228)، ومسلم (1334).
[2]: أخرجه أبو داود (2149)، والترمذي (2777)، وأحمد (22991) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم(صحيح أبي داود).
[3] أخرجه مسلم(2159).