الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فقد حرم الله -عز وجل- الأذى بكل أنواعه وصوره، سواء كان هذا الأذى للإنسان أم الحيوان أو خلافه؛ لما في ذلك من الإخلال لقواعد الأمن والسلم التي بسطها الله لعباده في الأرض، فوصف المهتدين بأنهم الذين لم يلبسوا إيمانهم بظلم، فقال -عز وجل-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)(الأنعام:82)، وقال -عز وجل-🙁 وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا)(الأحزاب:58)،وقد أرسل الله الرسل إلى العباد ليعلموهم ما فرضه عليهم من طاعته، وما يجب عليهم من العدل وعدم الأذى والظلم بينهم فقال: (وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا)(الفرقان:19)، هذا هو الأصل في كتاب الله، أما في السنة فقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فِيما رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَ-تعالى- أنَّهُ قالَ: “يا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا”([1])، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: “ المسلمُ من سَلِمَ المسلمونَ من لسانهِ ويدهِ” ([2])،ولم يكن هذا خاصًّا بالإنسان، بل يشمل كل مخلوق فقد أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن تحريم الأذى للحيوان فقال:” عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ في هِرَّةٍ سَجَنَتْها حتَّى ماتَتْ، فَدَخَلَتْ فيها النَّارَ، لا هي أطْعَمَتْها ولا سَقَتْها، إذْ حَبَسَتْها، ولا هي تَرَكَتْها تَأْكُلُ مِن خَشاشِ الأرْضِ”([3])، وعلى هذا الأساس كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول “لو أن جملًا أو قال شاة أو قال حملًا ، هلك بشط الفرات ، لخشيت أن يسألني الله عنه”([4])، وفي لفظ: ” لَوْ مَاتَتْ شَاةٌ عَلَى شَطِّ الْفُرَاتِ ضَائِعَةً ، لَظَنَنْتُ أَنَّ اللهَ -تعالى- سَائِلِي عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ “([5]) فعلى هذا لا يجوز للإنسان أن يؤذي غيره، سواء كان هذا الإيذاء باليد أو اللسان أو الصورة أو الرسم، أم بأي وسيلة من وسائل الأذى.
[1] رواه مسلم برقم (2577).
[2] أخرجه البخاري (10) واللفظ له، ومسلم (40).
[3] أخرجه البخاري برقم(3482).
[4] أخرجه ابن أبي شيبة في “المصنف” (34486) ، والخلال في “السنة” (396) ، من طريق أسامة بن زيد ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، قَالَ : ” كَانَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَسَعَوْنَ بِسَعْدٍ إِلَى عُمَرَ ، فَقَالَ عُمَرُ:” لأُبْدِلَنَّكُمْ حَتَّى تَرْضَوْنَ ، وَلَوْ هَلَكَ حَمَلٌ مِنْ وَلَدِ الضَّأْنِ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ ، ضَائِعًا ؛ لَخَشِيتُ أَنْ يَسْأَلَنِي اللَّهُ عَنْهُ ” .
[5] أخرجه أبو نعيم في “حلية الأولياء”ج1ص35.