الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فالأصل في تحريم قول الزور وشهادته قول الله -عز وجل-: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ (الحج:30).
ولما وصف الله عباده الذين يمشون على الأرض غير مستكبرين، ولا يخاطبون الجهلة والسفهاء، ذكر منهم الذين لا يشهدون الزور، فقال -عز ذكره-: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ إلى قوله: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ (الفرقان:72)، والمراد: أنهم لا يشهدون بالكذب لاقتطاع الحقوق من أصحابها، وظلمهم بهذه الشهادة، وما يحصلون عليه بسببها من الرشا والتزوير، كما أن هؤلاء العباد لا يشهدون مجالس الزور، ولا مجالس اللهو التي تصد عن سبيل الله، فالزور أساسه الكذب، سواء كان الكذب على الله أم على عباده، وليس هناك أظلم من الكذب على الله؛ كما قال -عز وجل-: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ﴾ (الزمر:32)، ولا يفتري الكذب على عباده إلا من ضيع أمانته، وفقد إيمانه؛ كما قال الله-تقدس اسمه-: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ (النحل:105).
والأصل -أيضًا- في تحريم قول الزور من السنة قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» ثلاثًا، قالوا: بلى يا رسول الله!، قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين»، وجلس وكان متكئًا، فقال: «ألا وقول الزور»، قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت([1]).
فالزور كذب في القول والفعل، ولا يفتريه إلا من ظلم نفسه، ونقيض الكذبِ الصدقُ، وهذا يهدي إلى البر، فنقيض الصدق الكذب، وهذا يهدي إلى الفجور، والشاهد فيه قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا»([2]).
هذا في عموم المسألة: أما عن سؤال الأخت فمن تبين له أنه قد تعرض لشهادة زور قولًا أو عملًا فعليه أن يثبت ذلك للقضاء، وفي هذه الحال يحكم ببطلان الشهادة متى ثبت تزويرها.
والله – تعالى- أعلم .
[1] أخرجه البخاري برقم : (2654).
[2] أخرجه البخاري برقم: (6094).