الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فظاهر السؤال والمفهوم منه أن امرأة موظفة تعرضت لقذف في مكان عملها، من قبل شخص.
والقذف: رمي الإنسان أو سبه بما ليس فيه، كمن يقذف إنسانًا في نسبه أو في أهله أو ولده، أو يقذف امرأة عفيفة، أو رجلًا عفيفًا بالزنا أو نحوه، وهو من الحدود، ومحرم في كل الأحوال، ولكنَّ له شروطًا، منها: أن يكون القاذف عاقلًا بالغًا، وأن يكون القذف بزنًا أو لواط، وأن يكون المقذوف عفيفًا مسلمًا، فإذا توافرت هذه الشروط وجب جلد القاذف ثمانين جلدة، ورد شهادته، ووصفه بالفسق وعدم العدالة عند الله وعند عباده، والأصل في هذا قول الله -تعالى-: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور: ٤)، فإذا تاب القاذف إلى الله وأصلح فتقبل حينئذٍ شهادته، وينتفي فسقه؛ لقول الله – تعالى-: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (آل عمران: ٨٩)، هذا هو حكم القذف في كتاب الله.
أما في سنة رسوله – صلى الله عليه وسلم -: فما رواه البخاري أنَّ هِلَالَ بنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – بشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ، فَقالَ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم -: «البَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ في ظَهْرِكَ﴾، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ! إذَا رَأَى أَحَدُنَا علَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ البَيِّنَةَ؟، فَجَعَلَ يقولُ: «البَيِّنَةَ وإلَّا حَدٌّ في ظَهْرِكَ»([1])، وما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه-أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ»، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ! وما هُنَّ؟، قالَ: «الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، وأَكْلُ الرِّبا، وأَكْلُ مالِ اليَتِيمِ، والتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ الغافِلاتِ»([2]).
هذه هي أحكام القذف، وقد نزه الله المسلم عن القذف ورمي المحصنات والمحصنين، وحرم التعرض لهم في أنفسهم وأعراضهم وأهلهم، وفي هذا قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء»([3])، وقال – صلى الله عليه وسلم -: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر»([4]).
والحاصل: أن القذف محرم، وقد بين الله عقوبته وهي الجلد؛ لإيلامه وتذكيره بأن ما أصاب به المقذوف من الألم ينبغي أن يصيبه الألم من الجلد؛ فالجزاء من جنس العمل.
والله – تعالى- أعلم.
-[2] أخرجه البخاري (2766)، ومسلم (89).
-[3] أخرجه الترمذي (١٩٧٧)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، (١٩٧٧).