الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:
فالتيمم مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقول الله تعالى:” وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ”(النساء:43)، أما السنة فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما:” وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا”([1]) وقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه”فُضِّلنا على النَّاسِ بثلاثٍ: جُعِلتْ صُفوفُنا كصفوفِ الملائكة، وجُعلَتْ لنا الأرضُ كلُّها مسجدًا، وجُعلَت تُربتُها لنا طَهورًا إذا لم نجِد الماءَ “([2])، وأما الإجماع فقد أجمع المسلمون في سلفهم وخلفهم على أن التيمم بديل للماء في حالات معينة([3]).
فإذا كان العبد مريضا أو مسافرا أو جنبا شرع له التيمم إذا فقد الماء أو وجد الماء ولكنه غير كاف لشربه أو وضوءه فهذا من تيسير الله على عباده ومن بركة رسول الله عليه الصلاة والسلام فيما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت:” خرجْنا مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بعضِ أسفارِه، حتى إذا كنَّا بالبَيداءِ أو بذاتِ الجيش، انقطع عِقدٌ لي، فأقام رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على التِماسِه، وأقام النَّاسُ معه وليسوا على ماءٍ، فأَتى النَّاسُ إلى أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ، فقالوا: ألَا ترى ما صنعَتْ عائشةُ؟! أقامت برسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والنَّاسِ وليسوا على ماءٍ، وليس معهم ماءٌ، فجاء أبو بكرٍ، ورسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واضعٌ رأسَه على فخِذي قد نام، فقال: حبَسْتِ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والناسَ، وليسوا على ماءٍ، وليس معهم ماءٌ! فقالت عائشةُ: فعاتبني أبو بكرٍ، وقال: ما شاءَ الله أن يقولَ، وجعل يَطعُنُني بيَدِه في خاصِرَتي، فلا يمنَعُني من التحرُّكِ إلَّا مكانُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على فَخِذي، فقام رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حين أصبَحَ على غيرِ ماءٍ، فأنزل الله آيةَ التيمُّمِ، فتيمَّموا، فقال أُسَيدُ بن الحُضَير: ما هي بأوَّلِ بركَتِكم يا آلَ أبي بكرٍ! قالت: فبعَثْنا البعيرَ الذي كنتُ عليه، فأصبْنا العِقدَ تحتَه”([4]).
هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخت فقد تجد نفسها في الطائرة أو إحدى وسائل النقل في حاجة للصلاة وليس لها قدرة على الوضوء بالماء وهي في تلك الحالة من السفر فهنا يجوز لها أن تتيمم من الصعيد الطيب، وقد اختلف الفقهاء في معناه فقيل المراد به التراب فقط([5])، ومذهب الحنفية أن المراد به التراب وما كان من جنسه كالرمل والنورة([6]) وذهب المالكية إلى أنه ما صعد أي ظهر على الأرض من أجزائها من تراب ورمل وحجر([7])وذهب الشافعية والحنابلة أن المراد به التراب([8]) استدلالا بحديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: “فُضِّلْنا على النَّاسِ بثلاث: جُعِلَت صفوفُنا كصفوفِ الملائكةِ، وجُعِلَت لنا الأرضُ كلُّها مسجِدًا، وجُعِلَت تُربتُها لنا طَهورًا إذا لم نَجِد الماءَ “([9]).
فالحاصل إن كان لديها تراب ضربت عليه بيديها ومسحت وجهها ويديها ويكفيها من ذلك ضربة واحدة، فإن لم تجد التراب فتضرب بيديها ما هو أقرب لها مع النية.
والله تعالى أعلم.
[1] أخرجه البخاري (438)، ومسلم (521).
[2] أخرجه مسلم(522).
[3] ينظر:((شرح النووي على مسلم)) (4/57).و (الشرح الكبير لابن قدامة)) (1/251).
[4] رواه البخاري (334) واللفظ له، ومسلم (367).
[5] “طرح التثريب للعراقي” (2/99).
[6] بدائع الصنائع للكاساني (1/ 53)و((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (1/38)، و((العناية شرح الهداية)) (1/127).
[7] الشرح الصغير مع الصاوي (1/ 196)، والتاج والإكليل (1/ 517).
[8] ينظر : ((الأم)) للشافعي (1/66)، و ((المجموع)) للنووي (2/213) و((شرح منتهى الإرادات)) (1/97)، و((المغني)) لابن قدامة (1/182).و”الاختيارات الفقهية” (20) ،و”الإنصاف” للمرداوي (2/216) .
[9] رواه مسلم (522).