الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن تواطأ الشخص في السؤال وصاحبه الطبيب على إخراج وثيقة تدل على أنه مريض لكي يتقاعد من عمله- فإن هذا يعد محرمًا؛ لأن هذا التواطؤ انطوى على الغش والكذب، وقد حرم الله على عباده الغش، في قول رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-: ” من غشنا فليس منا “([1])، كما حرم عليهم الكذب فيما بينه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (لا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا )([2]).
فهذا المال الذي حصل عليه بفعل الوثيقة يعد من حيث الأصل مالًا مكتسبًا من تقاعد للشخص المذكور، بخلاف ما لو كان قد اكتسبه بالغصب أو السرقة أو الاحتيال، ولكن وسيلته في الحصول عليه كانت خاطئة، يترتب عليها جزاء لدى الجهة التي يعمل فيها.
أما المال الذي ترتب من التقاعد فلا ينبغي أن يحرم منه، فهو قد اكتسبه بفعل خدمته، وفي حرمانه منه تضييق عليه في رزقه ورزق من يعول، والله -عز وجل- لم يضيق على عباده في أرزاقهم، فعفا عن أخطائهم وتجاوز عن سيئاتهم إذا تابوا وأنابوا إليه، قال -عز ذكره-: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ} [طه: 82].
فهذا المال الذي حصل عليه من تقاعده يعد مالًا له، رغم ما فيه من شبهة، وله أن يتصرف فيه.
والله -تعالى- أعلم.
[1] رواه مسلم برقم(146).
[2] رواه البخاري (6094)، ومسلم (2607) واللَّفظ له.