الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فالواضح من السؤال أن هناك سوء علاقة بين الوالد وأولاده.
والجواب على السؤال فيه تفصيل لاحتمالين:
الأول: أن يكون الأولاد عاقين لوالدهم فلا يجد سبيلا إلا بالدعاء عليهم، وهذا واقع في حياة الإنسان خاصة الوالدين حين يجدوا أن أولادهم يعقونهم ويكرهونهم ويتمنون موتهم إما بسبب مرضهم أو فقرهم أو كبرهم في سنهم، وقد أمر الله عز وجل بالإحسان إلى الوالدين في قوله جل في علاه: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [النساء:36]. وعقوق الوالدين من أشد المنكرات لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه علي رضي الله عنه: (لعن اللهُ من عقَّ والدَيهِ)([1]).
الاحتمال الثاني: ألا يكون الأولاد غير عاقين بوالديهم بمعنى العقوق المعلوم وإنما بسبب غفلتهم عنه وعدم رعايته خاصة وهو في هذا الوضع من العمى والعمر فهذه الغفلة قد تسبب سخطه عليهم وكرهه لهم ودعائه عليهم . ولهذا حذر الله الأولاد من هذه الغفلة في قوله عز ذكره: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء:-23-24].
والحذر في هذين الاحتمالين من دعوة الوالد على ولده فمن الأدعية التي يستجاب دعاء الوالد على ولده، ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ثلاثُ دعواتٍ مستجاباتٌ لا شَكَّ فيهِنَّ؛ دَعوةُ المظلومِ، ودعوةُ المسافرِ، ودعوةُ الوالدِ على ولدِهِ)([2]).
هذا في عموم المسألة: أما عن السؤال فلا يجوز للأب أن يدعو على أولاده ولو كان فيهم غفلة، والأصل في هذا قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (وَلَا تَدْعُوا علَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا علَى أَمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ)([3]).
فالواجب على الوالد الدعاء لأولاده بالصلاح والهداية، فقد علم الله عباده بالدعاء لأولادهم في قوله تقدس اسمه: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ [الفرقان:74]. وحكى عز وجل عن زكريا عليه السلام بقوله: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [آل عمران:38].
فالحاصل: أن على الأولاد البر بوالديهم والرأفة واللطف به ورعايته، فهذا هو الواجب عليهم وسوف يسألون عنه إذا قصروا فيه وعلى الوالد أن يتق الله ويحذر من الدعاء على أولاده، فيدعو بالهداية والصلاح وأن يكونوا قرة عين له.
والله تعالى أعلم.
[1] – أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم:( 2917) وفي صحيح مسلم: ( لعن الله من لعن والديه ) برقم: (1978).
[2] –أخرجه أبو داود برقم (1536)، والترمذي برقم: (1905) واللفظ له، وابن ماجه برقم: (3862)، وأحمد برقم: (7501)، حسنه الألباني في صحيح أبي داود (١٥٣٦).
[3] – أخرجه مسلم برقم: (3009).