الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، وعلى آله وصحابته، ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الله -عز وجل- بحكمته وعظمته وتدبيره للكون جعل هذا الكون متوازنًا في عمومه، فالمطر لا ينزل إلا بقدر معلوم، قال – تعالى-: ﴿ومَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾ (الحجر:21)، والرياح لها هذا القدر ، والشمس والقمر والنجوم وغير ذلك من أسرار هذا الكون، ما ظهر منها وما بطن.
ومن هذه الأسرار: التزاوج بين كل الكائنات الحية، فما من شيء إلا له زوج آخر، حتى الأزهار عندما تتمايل يلقح بعضها بعضًا، والشجر في عمومه لا يثمر إلا إذا تزاوج مع بعضه في عمليات قد لا يدركها الإنسان، ﴿وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (الذاريات:49).
أما التزاوج بين البشر فقد خلق الله الذكر والأنثى؛ لتحقيق التوازن وعمران الأرض، قال-عز وجل-: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ (الروم:21)، وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ (النحل:72)، ومن أسرار هذا التوازن ألا يطغى الذكر في عدده على الأنثى، وألا تطغى الأنثى على الذكر في عدده، واقتضت حكمته -تقدس اسمه- أن يهب بعضا من عباده أنثى، ويهب بعضَهم ذكرًا، وأن يجعل بعضهم الآخر عقيمًا، قال -عز ذكره-: ﴿يهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ،أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ (الشورى:49-50)، وبهذا لا يكون للعبد خيار فيما وهبه الله إياه، ومع ذلك يحاول أن يكون توالده كما يريد، فأحيانًا يحب الذكر، وأحيانًا يحب الأنثى، وإن كان يفضل كثرة الأول على الثاني، ولكنه في كل الأحوال لا يدري ما سيكون عليه ولده-ذكرًا كان أو أنثى- من النفع أو الضرر ﴿لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا﴾ [النساء: ١١]، وقد ظل العبد يبحث عن الوسيلة التي تحقق مراده، خاصة إذا كان يريد الذكر بسبب تفرضه عليه بيئته أو قبيلته أو طائفته، ومن هذه الوسائل: اختيار الغذاء الذي قد يساعد في تحقيق مراده، ومنها توقيت مجامعته لزوجته بوقت معين قبل الإباضة، وغير ذلك من الأدوية والتجارب التي تسود بيئته.
ومع تطور التقنية المعاصرة أصبح الطب يتدخل في هذا الأمر، خاصة بعد تطور علم الوراثة، والبحوث المجهرية والمخبرية.
أما سؤال الأخت عن شرعية هذه الوسيلة فمما لا شك فيه أن الإنسان أصبح ضعيفًا أمام هذا التطور في تقنية الطب، فأصبح الراغب في الذكر يطلب التدخل في نوع جنس الجنين بصرف النظر عن شرعية هذه الرغبة، وقد لا يكون الإشكال في رغبة فرد يريد أن يولد له مولود ذكر، فهذا كان مألوفًا منذ القدم كما ذكر، وقبل تطور تقنية الطب، إنما المشكلة إذا كانت هذه الرغبة تتخطى رغبة الفرد إلى العموم، ومع استبعاد ذلك في الوقت الحاضر إلا أن ذلك سيكون في حال وقوعه تدخلًا في جسم الإنسان، والتلاعب فيه وجعله محلًّا للتجارب والاختبار، وهو ما أخبر الله به عن الشيطان بقوله: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ (النساء:119)، ناهيك بما قد ينتج من الأضرار التي قد لا تدركها العقول والأبصار؛ إذ لا يتصور أن يكون الخلق كلهم من نوع واحد، خلافًا للتوازن الطبيعي.
وحاصل القول: أن من الجائز للفرد الذي يرغب في الولد الذكر أن يستعمل الوسائل الطبيعية، كالأغذية، وتوقيت الجماع، ونحو ذلك؛ لتحقيق مراده في نوع الجنين، ولكن لا يجوز له التدخل لاختبار جنس الجنين، سواء كان ذكرًا أم أنثى، باستثناء حالات الضرورة الموجبة للعلاج، خاصة في الأمراض الوراثية التي قد يتعرض لها الجنين ذكرًا أو أنثى، على أن يكون هذا التدخل من قبل فريق طبي مؤتمن، وأن يشترك معه مختصون في النواحي الشرعية.
هذا هو ما ذهب إليه الفقه المعاصر في هذه المسألة، والله-تعالى-أعلم.