سؤال من الأخت/ نادية بوروايس من الجزائر عن حكم تعامل المسلمين مع غير المسلمين.

حكم التعامل مع غير المسلمين

يطلق لفظ (غير المسلمين) على كل من لا يؤمن بدين الإسلام، ومنهم:‏ أهل الكتاب (اليهود والنصارى)، وقد جاءت أكثر الأحكام فيهم؛ لكونهم أهل كتب سماوية، جاءتهم بها رسل من عند الله، فكانت مسئوليتهم أشد من غيرهم، ومنهم -أيضًا-: المجوس، والصابئون، والبوذيون، والهندوس، وغيرهم ممن لهم ملة أو نحلة أو دين غير دين الإسلام.

وكل هؤلاء لا يعفون من مسؤوليتهم في الدخول في دين الإسلام إذا بلغهم؛ لأن هذا الدين أنزل للناس كافة كما أمر الله – عز وجل – نبيه ورسوله محمدًا-ﷺ-أن يقول لهم ذلك في قوله -عز ذكره-: ‏{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الاعراف: 158]، وقوله:‏ {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28].

والأصل العام:‏ أن التعامل مع غير المسلمين جائز طالما أنه لا يؤثر على المسلم في دينه، والأصل في ذلك: ما ورد في كتاب الله -عز وجلّ-عن جواز أكل طعام أهل الكتاب، والزواج من نسائهم، كما في قوله -عز وجل-: ‏{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5].هذا من الكتاب.

أما من السنة: فقد تعامل رسول الله -ﷺ- مع عبد الله بن أرقط -وكان مشركًا-؛ ليكون دليله إلى المدينة([1])، كما تعامل مع اليهود في المدينة، حيث ساقاهم، وزارعهم، وأكل من طعامهم، ودخل عليهم في مجالسهم، ودخلوا عليه في مجلسه، ففي حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: “‏أن رسول الله -ﷺ- اشترى من يهودي طعاما إلى أجل، ورهنه درعه”([2])، وبهذا يستدل على جواز بيع السلاح من غير المسلم.

وفي حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -ﷺ-عامل اليهود في خيبر على أن يعملوها، ويزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها([3]).

قلت:‏ وفي هذا الزمان تطور الاتصال بين الناس، وتشابكت فيه مصالحهم وعلاقاتهم، رغم اختلاف دياناتهم، وأصبحوا يرتبطون ببعضهم، إما من خلال معاهدات أو اتفاقات ثنائية أو جماعية، كما هو الحال في ميثاق الأمم المتحدة، كما أصبح التعامل بينهم في أمور الدنيا من أهم ضروراتهم، وطالما كان هذا التعامل لا يؤثر على المسلم في دينه -كالتعامل بالربا أو المحرمات- فليس عليه من حرج فيه، بل هو مما تحث عليه قواعد الإسلام ومقاصده في الدعوة، وحسن المجادلة.

وهاتان القاعدتان ليستا خاصتين بأمور الدين، بل هما عامتان في أمور الدنيا؛ لأن هذه تتبع للدين، فالدعوة -مثلا- إلى ترك الربا، والتخلص منه في الاقتصاد الأممي دعوة إلى الدين، والدعوة إلى ترك المحرمات التي قد يتعامل بها غير المسلمين دعوة -أيضا- إلى الدين، وهكذا، فلا يمكن إذًا التبشير بقواعد الإسلام ومقاصده وسماحته إلا من خلال تعامل المسلمين مع غيرهم، أيًّا كانت عقائدهم، وعلى الجيل المسلم الناشئ الذي يعاني من حساسيات كثيرة -بحكم قسوة الأعداء على أمته- أن يدرك هذا جيدًا، حتى لا تزل به قدم، وهو يبحث عن مسار جديد يحاول فيه تغيير واقع يعاني منه.

والله -تعالى- أعلم.

([1]) أحكام أهل الذمة لابن القيم ص 572، والسيرة النبوية لابن هشام ج 2 ص 241.

([2]) أخرجه البخاري في كتاب الرهن، باب الرهن عند اليهود وغيرهم، فتح الباري ج 5 ص 271، رقمه (3152).

([3]) أخرجه البخاري في كتاب الحرث والمزارعة، باب “إذا لم يشترط السنين في المزارعة”، فتح الباري ج 5 ص 71، ورقمه (9232).