الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فظاهر سؤال الأخت عما إذا كان يحق للزوج منع زوجته من التصرف في مالها.
والجواب الأصل في شرع الله حق الزوجة في الاستقلال بمالها عن الزوج، فيحق لها البيع والشراء والإجارة والرهن وسائر أنواع المعاملات المشروعة، ما لم تكن سفيهة أو محجورًا عليها، والأصل في هذا قول الله -تعالى- في استقلال اليتيمة بمالها بعد رشدها : (وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا )(النساء:2) وقوله -تعالى- : (وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ)(النساء:6). والمراد باليتامى عمومهم ذكورًا وإناثًا، والأصل فيه أيضًا : (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا)(النساء:4) فدل ذلك على حق النساء بصداقهن ومالهن .
هذا في كتاب الله، أما في سنة رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- فللمرأة الحق في التصرف في مالها، والشواهد في هذا كثيـرة، فقد اعتقت ميمونة بن حارث-رضي الله عنها- وليدة([1]) لها فأخبرت بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فلم ينكر عليها([2])، وكانت الصـحابيات في المدينة يستقللن بأموالهن فيشترين النخيل ويزرعنه، فكانت الصحابية أسماء -رضي الله عنها- تجذ نخلها وتتصدق منه كما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنها قال: طُلِّقَتْ خَالَتِي، فأرَادَتْ أَنْ تَجُدَّ نَخْلَهَا، فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ، فأتَتِ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، “فَقالَ: بَلَى، فَجُدِّي نَخْلَكِ؛ فإنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي، أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا”([3])، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحث النساء على التصدق من أموالهن، فكان يقول : (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ وَلَوْ مِنْ حَلْيِكُنَّ)([4]). وكن يسارعن إلى الصدقة دون إذن من أزواجهن. من هنا لا خلاف بين عامة العلماء في حق المرأة في التصرف في مالها . ففي مذهب الأئمة الأربعة الحنفية([5]) والمالكية([6]) والشافعية([7]) والحنابلة ([8])يحق للنساء الاستقلال بأموالهن، ولا يجوز لأزواجهن منعهن من ذلك .
أما حق الأزواج في هذه المسألة فما يقتضيه حسن المعاشرة بالمعروف، فللمرأة أن تبـر زوجها، فتقضي دَينه إن كان مدينًا وتتصدق عليه إن كان فقيـرًا، و تعينه إن كان في حاجة إلى عونها، والأصل فيه قول الله -عزو جل- : ( فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا)(النساء:4).
هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخت فلا يجوز للزوج أن يمنع زوجته من التصرف في مالها؛ لأن لها حقًّا مطلقًا فيه مادامت رشيدة .
[1] الوليدةُ: الطِّفلةُ الأنثى، والجمع: الولائِدُ، وقد تُطلَقُ الوليدةُ على الجاريةِ والأَمَةِ، وإن كانت كبيرةً. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (5/225).
[2] رواه البخاري (2592)، ومسلم (999).
[3] رواه مسلم برقم(1483).
[4] – أخرجه البخاري برقم : (1466).
[5] – شرح معاني الآثار 4/354
[6] – شرح الخرشي 7/103-104.
[7] – فتح الباري 5/318.
[8] – المغني لابن قدامة 4/513