الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فصيام شهر رمضان ركن من أركان الإسلام، عظم الله صيامه وقيامه؛ لما فيه من الفضائل وغفران الذنوب، قال -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]، وقال -عز ذكره-: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185].
وقد خفف الله عن المريض والمسافر والحامل والمرضع والشيخ الكبير، فيقضي من هؤلاء من يستطيع القضاء، ومن لا يستطيع فعليه القضاء، وأما الكفارة فحسب حاله.
هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخت فالواضح أنها ليست من المشار إليهم، بل تركت القضاء فبقي دينًا عليها، وكما أن المدين في أمور الدنيا مكلف بقضاء ما عليه من دين للعباد، فإنه مكلف بما عليه من دين الله، بل إن دين الله أحق بالقضاء، كما ورد في حديث عبد الله بن عبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عنهما- قال: “جاء رجلٌ إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسولَ الله، إنَّ أمِّي ماتت وعليها صومُ شَهرٍ، فأقضيه عنها؟ فقال: لو كان على أمِّكَ دينٌ، أكنْتَ قاضِيَه عنها؟ قال: نعم. قال: فدَينُ اللهِ أحَقُّ أن يُقضَى” ([1]).
وترك قضاء أيام من شهر رمضان عدة سنوات أمر لا يجوز؛ لأن الله -عز وجل- لما فرض صيامه على المسلم حدد أيامه، فأصبح مكلفًا بإكمال هذه الأيام طيلة مدة الشهر، فإن عرض له عارض من مرض أو سفر أو ولادة في حق النساء، وجب عليه وجوب عين قضاء ما فاته، فإن لم يقض، فإنه أصبح تاركًا لما فرض عليه، وفي هذا إثم عظيم لا ينجو منه إلا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا، والأخت في السؤال تقر بذنبها، والذنوب من عداوة الشيطان ووساوسه، فهو عدو للإنسان ليكون من أتباعه، وفي هذا قال الله -عز وجل-: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6].
فالجواب عن السؤال أن الأخت يلزمها التوبة إلى الله، والاستغفار، والإخلاص في الطاعة، وتحقيق شروط التوبة الثلاثة وهي: الندم على ما فات، وترك الفعل، وعدم العودة إليه؛ فإذا حققت هذه الشروط فعسى الله أن يتوب عليها، والتوبة تجبّ ما قبلها، لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “التوبةُ تهدمُ ما كان قبلَها”([2]) وقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ” التائبُ من الذنبِ كمن لا ذنبَ لهُ”([3]).
فحينئذ لا يلزمها القضاء ولا الكفارة؛ لأن ما فات من العبادة لا يمكن تعويضه إلا بالتوبة، إلا إذا كان ذلك عن نسيان، كمن ينسى صلاة فيقضيها أو ينسى صيامًا فيقضيه. أما تركه لما كلف به من صلاة أو صيام أو نحوه عمدًا أو تهاونًا فلا يعوض إلا بالتوبة النصوح، فعسى الله أن يتوب عليها.
فالحاصل أن على الأخت التوبة بشروطها ولا يلزمها قضاء ولا كفارة.
والله -تعالى- أعلم
[1] رواه البخاري (1953)، ومسلم (1148) واللفظ له.
[2] مجموع فتاوى شيخ ابن باز 238 /24.
[3] أخرجه ابن ماجة(4250 )،والطبراني في ((المعجم الكبير)) (10281 )، والقضاعي في ((مسند الشهاب)) (108 ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (3446).