سؤال من الأخت” م.ف” من الجزائر تقول: ما فائدة السعي إذا كان رزق الإنسان مقدرا في الأساس ومكتوبا؟

ما فائدة السعي إذا كان رزق الإنسان مقدرا ومكتوبا

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد، ،

فظاهر السؤال أو المستنتج منه عما إذا كان للعبد أن يطلب الرزق وقد كتب الله له رزقه.

والجواب: أن مثل هذا القول من وساوس الشيطان، فهو يحاول إضلال العبد ويشككه في دينه وعقيدته، صحيح أن الله عزوجل يكتب أرزاق عباده وهم في بطون أمهاتهم، وفي هذا ما رواه عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إنَّ أحدَكم يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بطنِ أمِّه أربعينَ يومًا، ثم يكونُ علقةً مثلَ ذلك، ثم يكونُ مضغةً مثلَ ذلك، ثم يُرسلُ اللهُ تعالى إليه الملكَ فينفخُ فيه الروحَ، ويُؤمرُ بأربعِ كلماتٍ: رزقُه و أجلُه و عملُه و شقيٌّ أم سعيدٌ”([1])، و من حكم الله في عباده أن جعل لهم أسماعا يسمعون بها وأبصارا يبصرون بها وقوى يتحركون بها لإعمار الأرض كما قال جل في علاه: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} [هود: 61]، ومع ما كتبه الله للعبد من الرزق.

نعم: إن الله عز وجل تكفل برزق عباده فقال عز ذكره : {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [هود: 6]، فالرزق يتطلب بالضرورة السعي له والعمل من أجله بعد أن تهيأت للإنسان كل الوسائل لسعيه سواء فيما يتعلق به ذاته من الحركة أو ما يتعلق بما بسطه الله له في الأرض من بسط الأرض والحركة عليه وفي هذا قال عز ذكره: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15]، وقوله تقدس اسمه: {كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]. فالشجر بما فيه من المنافع وما فيه من الرزق لا يمكن الانتفاع منه إلا بالعمل، فالعمل لطلب الرزق مطلب ضروري وأصل أن الرزق مضمون بما أنعم الله به على الإنسان، ولكن السعي له مطلب ضروري فلو قال قائل سوف أعتمد على الله؛ لأن رزقي مكتوب ولم يعمل له فهو معطل للحياة، والشاهد فيه قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: “لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً علَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ له مِن أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ”([2])، فقد روى أن عيسى عليه السلام رأى رجلًا؛ فقال: “ما تصنع؟” قال: “أتعبد”، قال: “من يعولك؟” قال: “أخي”، قال: “أخوك أعبد منك”([3]).

فالحاصل: أن الله عز وجل تكفل بأن يرزق عباده، ولكن عليهم بالسعي، فالرزق لا يكون إلا بالسعي إليه.

وأن دين الإسلام يحث على العمل والسعي في الأرض للتجارة والعمل في البحار و الأنهار وغيرها.

وكان أول العاملين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد رعى الغنم وكان الأنبياء والرسل من قبله يعملون في النجارة والصناعة والزراعة.

والله تعالى أعلم

 

[1] -أخرجه البخاري (3208)، ومسلم (2643) باختلاف يسير.

 

[2] -أخرجه البخاري (2374)، ومسلم (1042).

[3] إحياء علوم الدين للغزالي ج4ص65.