سؤال من الأخت م.. ع من الجزائر تقول فيه: إن لها بنتًا عمرها اثنا عشر عامًا ولم تحض بعد، ولديها علامات البلوغ، فهل يجب عليها الصيام؟

وقت التكليف بالصيام

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فصيام شهر رمضان أحد أركان الإسلام الخمسة، والأصل فيه قول الله –عز وجل-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون}[البقرة:183] والكتب هنا بمعنى الفرض والإلزام، وقوله –عز ذكره-: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185].والأصل فيه أيضًا قول رسول الله ﷺ: «بني الإسلام على خمس..» إلى قوله: «وصوم رمضان»([1]) وفي الصيام منافع عظيمة، أجملها الله في قوله –عز ذكره-: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون} [البقرة:184]. ولما كان الصيام يتطلب من المكلف به الإمساك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات مدة معلومة اقتضى ذلك أن يكون قادرًا عليه؛ فمتى كانت هذه القدرة وجب الصيام، ومتى انتفت انتفى التكليف. وفي مذاهب العلماء تفصيلات في معنى القدرة.

ففي مذهب الإمام أبي حنيفة: يشترط لوجوبه الصحة، وهي بمعنى القدرة، فمن كان مريضًا لم يلزمه الصوم حتى يصح، ومن كان مسافرًا لم يلزمه حتى يرجع إلى بلده، والأصل فيه قول الله –تعالى-: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184]، كما يشترط لوجوبه الخلو من الحيض، أو النفاس، والعقل، والبلوغ، فلا يلزم الصبي؛ لأنه غير مخاطب([2]). وفي مذهب الإمام مالك: أن الصبيان يؤمرون عند القدرة، وصومهم شرعي، والشاهد فيه القياس على قول رسول الله ﷺ حين سألته امرأة عن الصغير: ألهذا حج؟ قال: «نعم، ولك أجره»([3]). وعند الإمام مالك: يجب الصيام بالبلوغ، وحد البلوغ في النساء الحيض أو الاحتلام أو الإنبات (إنبات الشعر) أو الحمل، أو يأتي على الأنثى من الزمان ما يعلم أنها قد بلغت في الأغلب([4]).

وفي مذهب الإمام الشافعي: يجب الصيام بالبلوغ، ويستحب لولي الصبي إذا عقل وميز مثله أن يأخذه بالصيام لكي يعتاده ويألفه، فإذا صام صح صومه، وإذا بلغ في أيام من شهر رمضان فعليه أن يستأنف ما بقي منه، ولا يلزمه قضاء ما مضى منه([5])، والشاهد في استحباب أمر الصبي بالصيام قول رسول الله ﷺ في أمر الصبي بالصلاة (مرو أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر)([6]).

وفي مذهب الإمام أحمد: يجب الصوم على البالغ، ولا يجب على الصبي، فإذا كان يطيقه فيصح منه، وقد ذهب بعض أصحاب الإمام أحمد إلى أنه يجب على الغلام الذي يطيقه إذا بلغ عشر سنين لما روى ابن جريج عن محمد بن عبدالرحمن عن أبيه أن رسول الله ﷺ قال: «إذا أطاق الغلام ثلاثة أيام وجب عليه صيام شهر رمضان»؛ لأن الصيام عبادة بدنية شبيهة بالصلاة، والمذهب على أنه لا يجب عليه صيام حتى يبلغ([7]).

وينبني على ما سبق أن أكثر الفقهاء على أنه لا يجب الصيام على الصبي والصبية إذا لم يكونا قد بلغا، ولكن يصح منهما إذا كانا يطيقانه، وهذا خلاف ما يراه الأحناف بأن الصبي يعد غير مخاطب، والأصل أن وجوب الصيام مناط بالقدرة عليه؛ فالله –عز وجل- لم يكلف عباده بما لا يطيقون، سواء في الصيام أو العبادات الأخرى، والأصل في قوله –عز وجل-: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:286]. وقوله –عز ذكره-: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]. فالقدرة إذًا شرط لوجوب التكليف بالصيام، والغالب أن الصبي والصبية اللذين لم يبلغا الحلم غير قادرين على الصيام، وقد يكونان قادرين عليه حسب المكان الذي يعيشان فيه، ففي المناطق ذات الحرارة الشديدة تضعف قدرتهما والعكس بالعكس، وقد تختلف القدرة حسب الوضع الجسماني والصحي لهما، فيسهل الصيام على القوي في صحته، ويصعب على من هو أقل منه… وهكذا فالفاصل في الوجوب وعدمه البلوغ، فمن بلغ يفترض فيه القدرة على الصيام، فيجب عليه وعلى الولي أن يأمر الصبي والصبية بالصيام تعويدًا وتدريبًا لهما عليه، فإن صاما خلال تلك الفترة فهو خير لهما ولوليهما أجره.

وأما عن سؤال الأخت، فالأولى أن تأمر ابنتها بالصيام، خاصة وأن لها من العمر اثنتي عشرة سنة، وأن علامات البلوغ قد ظهرت عليها، وهذا موجب لصيامها.

وخلاصة المسألة: أن أكثر الفقهاء على أن الصبي والصبية لا يكلفان بالصيام إلا إذا بلغا الحلم، فإن صاما قبل ذلك وهما يطيقان الصيام صح منهما، وعلى وليهما أن يأمرهما بالصيام قبل البلوغ تعويدًا أو تدريبًا لهما، ففي ذلك له أجر وعن سؤال الأخت: فالأولى أن تأمر ابنتها بالصيام، خاصة وأن لها من العمر اثنتي عشرة سنة، وقد ظهرت عليها علامات البلوغ.

والله -تعالى- أعلم.

([1]) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب دعاؤكم إيمانكم برقم(8) فتح الباري ج1 ص64.

([2]) حاشية رد المختار على الدر المختار لابن عابدين ج2 ص271-272، والاختيار لتعليل المختار لابن مودود ج1 ص125.

([3]) أخرجه مسلم في كتاب الحج باب صحة حج الصبي وأجر من حج به برقم(1336) صحيح مسلم بشرح النووي ج6 ص3609.

([4]) ينظر: الكافي في فقه أهل المدينة للنمري القرطبي ج ص117-119، والذخيرة في فروع المالكية للقرافي ج2 ص316-317.

([5]) المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي ج1 ص177، والحاوي الكبير للماوردي ج3. ص327-329.

([6]) أخرجه الإمام في المسند ج2 ص180، صححه الألباني في حجاب المرأة، (٢٢).

([7]) المغني مع الشرح الكبير لابن قدامة ج3 ص13-14، وكشاف القناع للبهوتي ج2 ص308-309، وذكر ابن قدامة أن الحديث مرسل، انظر: المغني (٤/٤١٣).