الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فظاهر السؤال أن الأخت تشكو أن زوجها لا ينفق عليها وعلى أولاده، وتسأل عما إذا كان يجوز لها طلب الطلاق منه، وتذكر أنه فقير ولا يعمل؛ لكونه كان مسجونًا.
والجواب عن السؤال فيه تفصيل: فإن كان الزوج قادرًا ماليًّا على الإنفاق عليها وعلى أولاده وجب عليه الإنفاق عليهم؛ لأن ذلك حق مشروع لهم لا مراء فيه، فإن أبى كان معتديًا على حقهم، ويجوز لزوجته طلب الطلاق منه؛ لأن القوامة عليها وعلى أولاده من واجبه؛ لقول الله -تعالى- (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا)(البقرة:231) وقوله – تعالى- : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ)(النساء:34).
أما إن كان الزوج فقيـرًا -كحال من في السؤال- بسبب عدم عمله وكونه خرج لتوه من السجن فلا يجوز لزوجته طلب الطلاق منه؛ لأن الله -عز وجل- لا يكلف نفسًا إلا وسعها، كما قال -عز ذكره- (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)(البقرة:286). وقوله (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)(الطلاق:7).
وفي الآية الأولى الحكم بأن الله لطيف بعباده فلا يكلفهم إلا ما يقدرون عليه، وفي الآية الثانية الحكم أن الزوج ينفق حسب قدرته وطاقته، بمعنـى أن الإنفاق قلة أو كثـرة حسب القدرة، وأن من قدر عليه رزقه، أي كان رزقه ضيقًا فلينفق حسب القدرة؛ لأن الله -عز وجل- لا يكلف نفسًا إلا ما كتبه لها، وأنه سيجعل بعد العسر يسرًا، أي غنى بعد فقر، وفرجًا بعد ضيق.
هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخت فزوجها -كما ذكرت- خرج لتوه من السجن، فليس له عمل أو وظيفة، فلا يكلفه الله بالإنفاق إلا حسب حاله، فالواجب حينئذٍ الانتظار حتـى يتأهل بعد سـجنه فيعمل . وهناك حقيقة لا مراء فيها، هي أن الزوج أحرص على زوجته وولده أكثـر من حرصه على نفسه، وقد أعذره الله -عز وجل- بقوله: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ)(البقرة:280) والطلاق في حاله هذه لن يحل المشكلة بل يزيدها تعقيدًا، فالخير كل الخيـر في الانتظار على الزوج حتـى يجعل الله له ولزوجه وعياله فرجًا بعد ضيق، وقوة بعد ضعف وغنى بعد فقر، وأملًا بعد قنوط .
ولهذا أقول: لا يجوز للأخت طلب الطلاق، وعليها محاولة تأهيل زوجها للعمل بعد خروجه من السجن، وعليها الصبر؛ حفاظًا على أولادها وكيانها. وقد وعد الله -ووعده الحق- أنه سيجعل بعد العسر يسرًا، ولا يجمع -عز وجل- بين عسرين، كما قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-([1]).
أسأل الله -عز وجل- بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعل لها ولأولادها وزوجها فرجًا. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله -تعالى- أعلم.
[1] -أخرجه الحاكم في “المستدرك” (2/329).