الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فظاهر السؤال عن مدى جواز انتقال المسلم من مذهب فقهي إلى آخر، والأخذ بما هو راجح لدى غير مذهبه الذي يقلده.
والجواب عن هذا السؤال: أن المرجع في مذاهب الأئمة -رحمهم الله- كتاب الله وسنة رسوله محمد-صلى الله عليه وسلم-، والإجماع، والقياس، فالمذاهب مصدرها واحد، ولا خلاف بينها في ذلك، إلا ما يكون نتيجة اجتهاد يستنبطه المجتهد من هذه المصادر، وهنا ينبغي التفريق بين نوعين فيما يتعلق بالمقلد لهذا المذهب أو ذاك:
النوع الأول: المقلد العالم مثل الفقيه والقاضي ومن في حكمهما، فهذا يمكنه الانتقال من مذهب إلى آخر حسب ما يقتضيه هذا العلم، فالعدل مثلًا قد يكون ظاهرًا أو واضحًا في مسألة تعرض لها المقلَّدُ، فيرى العالِمُ أن من الأفضل- تحقيقًا للعدل- الأخذَ بهذا المذهب الذي ليس مقلدًا له أصلًا، والحكمة في عدم تقليده لمذهبه أن العدل واضح في المذهب الذي انتقل إليه، وليس معنى هذا أن مذهبه لا يقول بالعدل في المسألة محل البحث، ولكنه يراه أوضح في المذهب الذي انتقل إليه.
والنوع الثاني: المقلد العادي: فقد يظن أن مسألة ما واضحةٌ في غير مذهبه، فينتقل إليه، ويستمر في هذا الانتقال تارة بين هذا المذهب وذاك، والخطر في هذا أنه قد يخطئ في الفهم، فيصعب عليه التفريق فيما يسأل عنه، ويتعبد به؛ فيتحول إلى متعبد يبحث عن الرخص، وهو لا يستطيع معرفه قواعدها وحكمها.
فالحاصل: أن المقلد العالم كالفقيه والقاضي ومن في حكمهما يستطيع الانتقال من مذهب إلى آخر؛ لما يراه حلًّا لمسألة ما، وهو يدرك ما يفعل، أما المقلد العادي فالمستحب له- بل ربما الواجب عليه- الالتزام بالمذهب الذي يقلده، وما يشكل عليه فيه يسأل علماءَه عنه، والله – تعالى- أعلم.