الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على رسوله الأمين محمَّدٍ، وعَلَى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالقَدَر: كلُّ ما يُقَدِّره اللهُ على خَلْقِه، بمَشِيئته وإرادته وحِكْمَته وتصرُّفه فيهم؛ كما قال -عزَّ وجلَّ-: {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [سبأ: 3]. فهو المقَدِّر كلَّ شيء في الكَوْن عُلْوِيَّهُ وسُفْلِيَّهُ، وفي هذا قال -عزَّ ذكره-: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]. ففي هذا بيانٌ بأنَّه خَلَق كلَّ شيء في الكون، وأنَّ هذا الخَلْق قضاءٌ قضاه وقَدَرٌ قَدَّره، فما من شيءٍ يَحْدُث في هذا الكون مِن حادثٍ كبيرٍ ولا صغيرٍ إلا وقد قَدَّره وكَتَبه في اللوْح المحفوظ، وكُلٌّ بقوَّته ومشيئته وسلطانه، حيث يقول للشَّيء كن فيكون؛ كما قال -جلَّ في علاه-: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر: 50].
والذين يَنْسِبون الحوادث والوقائع في الكَوْن إلى غير مُجْرِيْها ومُدَبِّرِها إنَّما يضلُّون أنفسهم ويضلُّون غيرهم، وهم بذلك مثل من قال الله فيهم: {لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ} [الأعراف: 197].
فاقتضَى ما ذُكِر أنَّ كُلَّ ما يحدث في الكون من الحوادث هو بقَدَر الله وإرادته، فهو المدبِّر والمسيِّر وهو الحيُّ القيُّوم، الذي لا تأخذه سِنَةٌ ولا نوم، له ما في السَّموات والأرض، وهو العليُّ العظيم.