الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فالقرعة السهم والنصيب، وهي مشروعة، والأصل في مشروعيتها كتاب الله وسنة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، وإجماع الأمة:
أما في كتاب الله: فقوله- تعالى-: {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران: ٤٤]، ذلك أن أم مريم سلمت ابنتها مريم إلى كاهن بني إسرائيل وهي صغيرة، فقالوا نحن أحق بها، وقال زكريا- عليه السلام- أنا أحق بها؛ لأن خالتها عندي (فاقترعوا) بأقلامهم عليها، فجرت الأقلام فقرعهم زكريا فأخذها، وفي قصة نبي الله يونس -عليه السلام- أنه ركب في السفينة فرارًا من قومه لما لم يؤمنوا، وكانت السفينة مثقلة بحمولتها، فاستهموا على أن من يقع السهم عليه ينزل من السفينة فساهم – عليه السلام- أي اقترع، وهو ما قصه الله -عز وجل-: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِين، إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ* فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: ١٣٩-١٤١].
وأما مشروعية القرعة من السنة: فما روته أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- قالت: “كان رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إذا أرادَ سَفَرًا أقْرَعَ بَينَ نِسائِه، فأيَّتُهنَّ ما خرَجَ سَهمُها خرَجَ بها”([1]).
وأما الإجماع: فإن الأمة مجمعة على مشروعية القرعة.
ويعمل بالقرعة في أمور كثيرة منها القرعة بين الشركاء إذا اختلفوا، فادعى كل منهما حقه في شيء ما، وادعى الآخر هذا الشيء، ومنها إذا ادعى إمامان الولاية الكبرى وتماثلا في الكفاءة، فتجرى القرعة بينهما، أو تنازع إمام في الصلاة مع آخر، وادعى كل منهما إمامة الصلاة، ومنها لو قال رجل متزوج أكثر من واحدة، طلقت إحداكن ولم يعينها أجريت القرعة بينهن.
وكذا القرعة بين الزوجات في السفر، كما فعل ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومنها إجراء القرعة إذا تعارضت بينة الخصوم.. وهكذا في الأمور والأحوال الأخرى التي تقتضي الفصل في الدعاوى.
فالحاصل: أن القرعة مشروعة بنص الكتاب والسنة، وتجرى في أمور كثيرة، والقصد منها البت فيما يزيل الخلاف بين الخصوم ويرفعه عنهم.
والله – تعالى- أعلم.
[1] أخرجه البخاري (2593)، ومسلم (2770).