سؤال من الأخت” م.ة ” من الجزائر تقول: امرأة حامل من رجل غير زوجها، بسبب سفر زوجها من عدة سنوات وحملها أقل من شهر، وتريد إجهاض هذا الحمل؛ لأنه لو انكشف أمر حملها سوف تقتل من قبل زوجها، لو عاد من السفر فما الحل؟

حكم اسقاط الحمل من السفاح

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا الأمين محمد وعلى آله و أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فالواضح من السؤال: أن المرأة أثناء سفر زوجها حملت سفاحا وأن زوجها لو علم بما فعلته لقتلها هكذا ورد السؤال.

والجواب: فيه أقوال منها:

القول الأول: ما مناطه حرمة إسقاط الحمل المتولد من فاحشة الزنا، وما إذا كان يجوز هذا الإسقاط، وقد اختلف بعض أهل العلم في ذلك، فعند أصحاب الإمام أبي حنيفة([1])، وأصحاب الإمام الشافعي([2])، وأصحاب الإمام أحمد([3])، إلى القول بجوازه إذا لم يكن الجنين قد بلغ نفخ الروح فيه، أما أصحاب الإمام مالك فقد ذهبوا إلى عدم جوازه مطلقا([4])، وهو أيضا قول بعض أصحاب الإمام أبي حنيفة والشافعي وأحمد رحمهم الله.

هذه خلاصة قول أهل العلم ويبدو منها الاختلاف حول الإسقاط وقول البعض بجوازه، إذا كان الجنين لم يبلغ نفخ الروح، أما إذا بلغ هذه المرحلة فيحرم إسقاطه؛ لأنه أصبح نفس مؤمنة.

والقول الثاني: ما مناطه جريمة الفعل فهذه الجريمة فاحشة ومنكرة وطاعة للشيطان قال الله جل في علاه لنبيه ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) (الأعراف:33)، وقال تقدس اسمه: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) (الإسراء:32).

ومسألة إسقاط الجنين جريمة أخرى، فلا يجوز التساهل فيها فالمرأة إذا فعلت ذلك ارتكبت جرمين جرم الفاحشة وجرم القتل (الإسقاط) فإن كان الإسقاط للجنين الذي بلغ مائة وعشرين يوما، فهو جريمة قتل نفس مؤمنة كاملة، فإن كان لم يبلغ هذه المرحلة فهو قتل نفس في طور الخلق والتكوين وإسقاطها ظلم وعدوان.

وفي كل الأحوال يعد الزنا فاحشة، والإسقاط فاحشة أخرى، فيحرم معالجة الجريمة بجريمة أخرى.

القول الثالث: المرأة في المسألة: فهذه يجب عليها قبل كل شيء أن تتوب إلى الله توبة نصوحا بشروطها الثلاثة وهي: الإقلاع عن الفعل والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة إليه وعليها أن تستغفر الله عما فعلته قال عز وجل: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا) (النساء:64)، وقال عز ذكره: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران: 135)، وقال تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا) (النساء:110).

نسأل الله عز وجل أن يغفر لها إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أما مسألة إسقاط الجنين فالأصل القياس على قصه المرأة التي جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت أنها حملت عن سفاح فقال عليه الصلاة والسلام: (…..فَاذْهَبِي حتَّى تَلِدِي، فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بالصَّبِيِّ في خِرْقَةٍ، قالَتْ: هذا قدْ وَلَدْتُهُ، قالَ: اذْهَبِي فأرْضِعِيهِ حتَّى تَفْطِمِيهِ، فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بالصَّبِيِّ في يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ، فَقالَتْ: هذا يا نَبِيَّ اللهِ قدْ فَطَمْتُهُ، وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ، فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إلى رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بهَا فَحُفِرَ لَهَا إلى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا،)([5]). فالمولود في هذه الحالة يلحق بأبيه فإن لم يعرف أبوه فالسلطان وليه؛ لأنه ولي من لا ولي له هذا هو الأصل ولكن يجوز الإسقاط (على أساس دفع الفتنة ) أي درء قتل المرأة كما ورد في السؤال فيجوز إسقاطه ما دام أنه في الطور الأول من الحمل أي لم يبلغ المائة والعشرين يوما، وقال بهذا بعض أصحاب الإمام مالك([6])، والشافعي([7])، وعلى المرأة المذكورة عدم إفشاء فعلها، بل يجب الستر عليه درءا للفتنة.

والله تعالى أعلم.

التعليق على المسألة:

 قلت: ومن الخواطر التي ترد في هذه المسألة: سفر بعض الأزواج عن عائلاتهم مدة طويلة، وقد تنتج عنه من مشكلات تتعلق بزوجاتهم وأولادهم، وقد عالج الإسلام هذه المشكلة فبينما كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-يتفقد المدينة في الليل سمع امرأة تود لو أن زوجها قريب منها قائلة:

ألا طال هذا الليل وازوّر جانبه… وليس إلى جنبي خليل ألا عبه

فو الله لولا الله تخشى عواقبه… لحرك من هذا السرير جوانبه

مخافة ربّي والحياء يعفّني… وإكرام بعلي أن تنال مراتبه

فسأل عمر -رضي الله عنه-ابنته حفصة زوجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المدة التي يمكن أن يغيب فيها الزوج عن زوجته فقالت -رضي الله عنها-المدة أربعة أشهر فأمر عمر -رضي الله عنه-ألا يغيب الجندي أهله أكثر من هذه المدة([8])، وفوق ذلك كان بعض الصحابة يستأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في الغزو في العودة إلى المدينة ليرى أهله.

ومن هذا فإن على شباب المسلمين الذين يذهبون إلى الغربة في أروبا وغيرها كسبا لمعيشتهم ألا يتركوا أهلهم أكثر من أربعة أشهر حرصا على سلامتهم من الشرور والمكاره.

والله تعالى أعلم.

[1] – فتح القدر لابن الهمام 3/401.

[2] -حاشيتا قليوبي وعميره 4/160.

[3] -الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي 1/386.

[4] -الشرح الكبير المطبوع مع حاشية الدسوقي 2 / 267.

[5] – أخرجه مسلم برقم: (1695).

[6] – ينظر: حاشية الرهوني على شرح الزرقاني 3 / 264.

[7] – ينظر: نهاية المحتاج للرملي: 8 / 416.

[8] – أخرجه عبد الرزاق في مصنفه برقم (13477).