الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحابته، ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين، أما بعد:
فظاهر السؤال أو المفهوم منه عما إذا كان حق الأم آكد على بنتها، وأن حق الأب آكد على ولده.
والجواب أن للوالدين حقًّا على أولادهما، وهذا الحق مترتب من حكم الله وقضائه ببرهما والإحسان إليهما، وما يقتضيه هذا الإحسان من عدم التأفف منهما حال كبرهما، أو نهرهما، مع وجوب القول لهما قولًا كريمًا، وخفض جناح الذل لهما من الرحمة، والدعاء لهما على ما تحملاه من الأعباء حال صغر ولدهما. وهذا كله مبين في كتاب الله في قوله -عز ذكره- : (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)(الإسراء: 23).
وقد يتفاوت البر بين الأب والأم، فهذه أكثر حقًّا على الولد. والأصل فيه قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمن سأله عمن يبر من والديه، قال له -عليه الصلاة والسلام-: أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أَبُوكَ..)([1]). وهذا لا يعني إغفال حق الأب أو التهاون فيه، ولكن المراد خصوصية الأم ومعاناتها من الحمل والوضع والإرضاع، والشاهد فيه قول الله -عز وجل- : (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ)(لقمان:14). وقوله -جل في علاه- : (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا)(الأحقاف:15).
هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخت فحق الأم آكد على ولدها ذكرًا أو أنثى، وحق الأب آكد كذلك على ولده متى ما احتاج إليه أيٌّ من الأم والأب.
نعم، حق الأم على ولدها ألا تكون خادمة لتعيش عند الناس؛ وأولادهما يتنعمون وحق الأب على ولده ألا يسأل الناس رزقه وأولاده يتقلبون في النعم. والمعنى أن حق الوالدين مترتب حكمًا وقضاء على ولدهما، مع الأخذ في الحسبان خصوصية الأم ومعاناتها في الحمل والوضع والإرضاع.
والله – تعالى- أعلم .
[1] – أخرجه البخاري برقم : (5971).