سؤال من الأخت م.ة.. من الجزائر، تقول: سائلة تقول زوجي يجبرني على الإنجاب، مع أنه لا يحسن المعاملة ولا يهتم بي، مع العلم أن لي ثلاثة أطفال. فهل أنا آثمة أنني لا أريد الإنجاب؟

إجبار الزوج زوجته على الإنجاب

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فالجواب عن السؤال من وجهين:

أولهما أجبار الزوج زوجته على الإنجاب، ولعل المراد تشجيعها على إنجاب الذرية، فهذا ما حث عليه الاسلام، والأصل فيه قول الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) (النساء:1)، وقال -عز ذكره-: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً) (النحل: 72)، وقال تعالى: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) (النور:32).

فالإنجاب أمر إلهي فطر الله عليه الإنسان؛ فالزوج والزوجة كلاهما يحبان الذرية ويفرحان بها، وليس هذا الامر خاصًّا بالإنسان، بل عام في كل ما خلق الله من الدواب، فهو من سنن الله في خلقه، وهذه السنن لا تتبدل ولا تتحول كما قال -عز وجل-: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) (الأحزاب:63).

والأصل فيه أيضًا سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله فيما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (تزوَّجوا الوَدودَ الولودَ فإنِّي مُكاثرٌ بِكُمُ الأُممَ)([1]).

وعلى هذا لا يجوز للزوج أو الزوجة الامتناع عن الإنجاب إلا لسبب مشروع كالمرض، وعلى هذا لا يجوز للأخت السائلة الامتناع عن الإنجاب؛ لأنه هو الأصل في عقد الزواج.

الوجه الثاني: أما القول بأن زوجها لا يهتم بها ولا يحسن معاملتها فهذا من الخطأ؛ ذلك بأن الله -عز وجل- قال في محكم كتابه إلى عباده: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ) (النساء:19)، وهذه المعاشرة تقتضي حكمًا معاملة الزوج لزوجته بالحسنى، فالعقد بينهما عقد غليظ كما قال -عز وجل-: (وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) (النساء:21)، وقد أكد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يجب على الأزواج نحو زوجاتهم، فقال في خطبة الوداع التي ودع فيها الأمة: (استَوصوا بالنِّساءِ خيرًا فإنَّهنَّ عندَكُم عَوانٍ)([2])، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (لَا يَفْرَكْ (يعني لايظلم ) مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَر)([3])، وكان -عليه الصلاة والسلام- أرفق وأرحم لزوجاته في معاملته لهن، وكان عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- ممن يحث على العناية بالزوجة ويقول: ” إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ، كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي الْمَرْأَةُ؛ لأن اللَّهَ -تَعَالَى- يَقُولُ: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَنْظِفَ جَمِيعَ حَقِّي عَلَيْهَا؛ لأن اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)([4])، ويقول في تفسير آية: (واضربوهن) يكفي: الضرب بالسواك([5]).

والأحاديث والآثار في حسن معاشرة الأزواج لزوجاتهم كثيرة، فمن واجب الزوج الاهتمام بزوجته ومعاشرتها بالحسنى واللطف، والرفق بها في السراء والضراء، ومن المعاشرة معاملة أهلها بالحسنى، ونحو ذلك ممن توجبه المعاشرة الحسنة.

فكلما كانت هذه المعاشرة حسنة -كما أمر الله بها- انعكس ذلك على الأسرة، فتكون أكثر صلاحًا وأكثر محبة واطمئنانًا.

فالحاصل: أنه لا يجوز للزوجة في السؤال أن تمتنع عن إنجاب الذرية؛ لأن هذا هو الأصل في عقد الزواج ما لم تكن مريضة أو لها عذر شرعي، كما يجب على الزوج في السؤال الاهتمام بزوجته ومعاشرتها بالمعروف والإحسان إليها، ومعاملتها مثل ما يجب أن تعامله به؛ لأن ذلك هو الأساس لبناء أسرة سليمة.

والله – تعالى- أعلم.

 

[1] – أخرجه أبو داود (2050) واللفظ له، والنسائي (3227) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم(2050).

[2] – صحيح سنن الترمذي برقم: (3087)، حسنه الألباني في صحيح الترمذي، (١١٦٣).

[3] -أخرجه مسلم برقم (1469).

[4] – أخرجه ابن أبي شيبه برقم (15712)، صحح إسناده أحمد شاكر في عمدة التفسير، (١/٢٧٧).

[5] – تفسير الطبري تفسير آية 34 من سورة النساء.