في الجواب على هذه المسألة تفصيل؛ فإن كانت هذه القبور داخل حيطان المساجد، وقد دفن أصحابها بعد بناء هذه المساجد، فلا تجوز الصلاة فيها، ومن صلى فيها فصلاته غير صحيحة، والأصل في ذلك قول الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 81] . ولا شك أن في وجود القبور في المساجد مظنة إشراك أصحابها مع الله ودعائهم، والاستغاثة بهم، وطلب النفع منهم، وهذا من الشرك الأكبر الذي حرمه الله في قوله تعالى: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِين} [يونس: 106] . {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُون} [المؤمنون: 711]. وقوله -عز وجل-: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِير* إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِير} [فاطر: 31-41] . وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير} [لقمان: 03].
كما أن هذا العمل من الشرك الأكبر الذي حرمه رسول الله في قوله: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك)([1]). وقوله عليه الصلاة والسلام: (لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)([2]).
فاقتضى هذا أنه يجب على ولاة الأمر في هذه البلدان إخراج هذه القبور من المساجد، ودفن أصحابها في المقابر العامة.
أما إن كانت هذه القبور قديمة وأقيمت عليها المساجد فهذا يوجب هدمها،؛ لأنها بنيت على غير تقوى، وما يبنى على ذلك يجب إزالته. ولهذا أمر الله رسوله أن يزيل مسجد الضرار في المدينة بقوله -عز وجل-: {لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ}الآية [التوبة: 801].
وإن كانت هذه القبور خارج حيطان المساجد ولكن لها مداخل خاصة يتمكن زوار المساجد من الدخول إليها أو النظر إليها من فتحة أو خلافها، فهذه حكمها مثل الحكم الأول، إما بنقل رفات أصحابها إلى المقابر العامة أو يؤمر بإغلاق الدخول إليها؛ لما قد يفضي إليه ذلك من الاعتقاد في أصحابها وإشراكهم مع الله في العبادة.
وأما إن كانت هذه القبور خارج المساجد ولكنها واقعة بجانبها كما لو كانت وضعت عن غير قصد عن يمينها أو شمالها أو خلفها أو أمامها فالصلاة فيها صحيحة؛ لأنتفاء مظنة التقرب إلى أصحابها أو دعائهم أو طلب الدعاء منهم، ومع هذا فإن من الأفضل، بل والأصوب أن تكون هذه المقابر بعيدة عن ملاصقة المساجد سداً للذريعة ودفعاً لما قد يطرأ بفعل الزمن إلى الاعتقاد في أصحابها.
قلت: أما ما قالته الأخت بأن عقيدتها وأخواتها هي عقيدة السلف في عدم تعظيم القبور فندعو لهن بالثبات وعليهن دعوة أخواتهن في بلادهن لاتباع هذه العقيدة كما أن على إخوانهن من أهل تلك البلاد وغيرها من بلاد المسلمين الحذر من تعظيم القبور والطلب من أصحابها ما يعتقدون خطأ أنه يجلب لهم النفع أو يدفع عنهم الضر فإن ذلك لا يكون إلا من الله وأن من اعتقد غير ذلك حبط عمله وأصبح من الخاسرين وفي ذلك قال الله عز وجل: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُون} [الأنعام: 88] . وقال: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين} [الزمر: 56] .
نسأل الله السلامة من الشرك وكل ما يبعد عن رحمة الله ومغفرته إنه ولي ذلك والقادر عليه.
([1]) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم للأبي، ج2 ص426-425.
([2]) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، صحيح مسلم بشرح النووي، ج3 ص1783-1782، برقم) 531 (.