الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذا السؤال ومثله مما يوسوس به الشيطان لعبد من عباد الله، ليضله عن سواء السبيل، أما الجواب: فقد جعل الله لعباده ملائكة يتعاقبون عليه، يحفظونه في الليل و يحفظونه في النهار، ويحفظونه من الأسواء والحوادث والشرور، قال جل في علاه: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ﴾ [الرعد: 11]، كما يتعاقب ملائكة آخرون لحفظ عمل العبد من خير أو شر، اثنان عن اليمين و اثنان عن الشمال فصاحب اليمين يكتب حسناته، والثاني يكتب سيئاته، وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه، واحد من ورائه وآخر من أمامه، فهو بين أربعة ملائكة في النهار وأربعة آخرين في الليل، حافظان وكاتبان، كما جاء في الصحيح، وذلك فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ باللَّيْلِ ومَلَائِكَةٌ بالنَّهَارِ، ويَجْتَمِعُونَ في صَلَاةِ الفَجْرِ وصَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وهو أعْلَمُ بهِمْ: كيفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فيَقولونَ: تَرَكْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتَيْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ))([1]).
وفي حديث آخر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله، فاستحيوهم وأكرموهم))([2]). وقد سماهم الله عز وجل: ﴿كراما كاتبين﴾، وروي في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما مِنكُم مِن أحَدٍ، إلَّا وقدْ وُكِّلَ به قَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ، قالوا: وإيَّاكَ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: وإيَّايَ، إلَّا أنَّ اللَّهَ أعانَنِي عليه فأسْلَمَ، فلا يَأْمُرُنِي إلَّا بخَيْرٍ))([3]).
هذا في عموم المسألة أما عن سؤال الأخت عما يصيب الإنسان من الحوادث فإن حفظ الله لعبده يتطلب منه اتخاذ الوسيلة التي أمره بها فقد أمره بالرفق في سيره ومختلف أمره لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما روته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((عليك بالرفق فإنَّ الرِّفْقَ لا يَكونُ في شَيءٍ إلَّا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شَيءٍ إلَّا شانَهُ))([4]). فمن يقود السيارة يجب عليه أن يرعاها في ذاتها، وإذا ركبها وجب عليه الرفق في سيرها كما هو محدد له، فإذا خالف ذلك تجاوز الحفظ وأصبح هو المعرض لنفسه وغيره للخطر، وفي مثال آخر في حفظ الله عز وجل لعبده تصرف العبد في نفسه، فالملائكة يحفظونه بأمر الله ولكن الله حرم عليه فعل ما يضر نفسه، فإذا تصرف فيها بما يخالف ما أمر به، أصبح هو السبب في عدم حفظ نفسه. وفي هذا قال الله عز وجل: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ [الشورى:30]. وقال تقدس اسمه: ﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾ [النساء:79]، وقال عز ذكره: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ﴾ [آل عمران: 165].
فالحاصل: أن الله عز وجل يحفظ عباده من الأسواء والحوادث والشرور ويقوم على هذا الحفظ ملائكته الكرام كما قال تقدس اسمه: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ* يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار:10-12]. فعلى هذا على العبد أن يفعل السبب في حفظ نفسه، و هو اتباع ما أمره به ربه، فيما بينه له من الأحكام، وما نهاه عنه، فإذا تجاوز هذه الأوامر فقد تجاوز هذا الحفظ، وفي هذا ما ذكره ابن أبي حاتم بقوله (أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل: أن قل لقومك: إنه ليس من أهل قرية ولا أهل بيت يكونون على طاعة الله فيتحولون منها إلى معصية الله، إلا تحول لهم مما يحبون إلى ما يكرهون، ثم قال: إن مصداق ذلك في كتاب الله: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد:11]([5]).
والله تعالى أعلم
[1] – أخرجه البخاري برقم:(555)، ومسلم برقم: (632).
[2] – أخرجه الترمذي برقم: (2800) وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي (٢٨٠٠)، وينظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج 4ص 375.
[3] – أخرجه مسلم برقم: (2814).
[4] – أخرجه مسلم برقم: (2594).
[5] – تفسير ابن أبي حاتم ج 7ص 2233.