سؤال من الأخت: مشرفة “المرشدة الدينية”، من الجزائر، يقول: ما حكم بيع شجرة (الكريسماس) وبيع التحف في رأس السنة الميلادية الجديدة؟

بيع شجرة الميلاد في رأس السنة الميلادية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:

فالجواب عن هذا من وجهين، الأول: أن دين الإسلام هو الدين الحق، وليس في الكون دين حقيقي غيره، وقد بيّن الله ذلك لخلقه من الجن والإنس، في قوله -جل في علاه-: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: 19]، كما بيّن -تقدس اسمه- أنه لا دين إلا هذا الدين، وأن من يبتغي غيره فلن يقبله الله منه، وذلك في قوله: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85].

هذا هو الحكم في كتاب الله الكريم، أما في السنة فقد بيّنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذلك فيما رواه جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما-: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ، فَقَرَأَهُ على النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَغَضِبَ وَقَالَ: ((أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا بْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا، مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتْبَعَنِي))([1]).

وينبني على ما ذكر أنه لا يجوز لمسلم أن يقول أو يفعل ما يخالف هذا الأصل، سواء كان ذلك عن طريق الدعاية والإعلان أو أي صورة أخرى، يفهم منها تعظيم دين أو ملة أو نحوهما غير دين الإسلام.

نعم، هناك من يقول: هؤلاء أهل كتاب، فلماذا لا يجوز التعامل معهم؟ وهذا صحيح قبل رسالة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أما وقد جاء الإسلام فلم يعد هناك دين غيره، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء والرسل، ورسالته آخر الرسالات، وفي هذا قال –عز وجل-: ﴿وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الأحزاب: 40]، والحاصل في هذه المسألة أنه لا يجوز للمسلم بيع شجرة الميلاد ونحوها، سواء بيعها أو الدعاية لها أو الإعلان عنها.

أما الوجه الثاني مما له علاقة بالمسألة، ما إذا كان التبايع بين أهل كتاب -وهو ما قد يثار في هذه المسألة- أنه إذا كان هناك أهل كتاب باقون على دينهم لم يدخلوا في الإسلام، سواء كانوا من أهل البلد المسلم أو من المقيمين معهم فلا حرج في تبايعهم بينهم، في بيوتهم أو متاجرهم أو الحي الذي يسكنون فيه، على ألا يظهروا ذلك سواء بالإعلان أو بأي طريقة أخرى، وهذا الجواز يستدل عليه من قول الله -عز وجل-: ﴿‌وَلَا ‌تُجَادِلُوا ‌أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [العنكبوت: 46]، وقوله -عز ذكره-: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8].

فالحاصل: أنه لا يجوز لمسلم بيع شجرة الميلاد وما في حكمها، أما إذا كان التبايع بين أهل الكتاب من أهل البلد المسلم أو من المقيمين فيه فهذا لا حرج فيه -إن شاء الله- على ألا يكون في ذلك دعاية أو إعلان لهذا التبايع بين المسلمين.

والله -تعالى- أعلم.

([1]) أخرجه أحمد، برقم: (15156)، (23/349)، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، برقم: (1589)، (6/34).