سؤال من الأخت مسعودة من الجزائر تسأل فيه عما إذا كان من الجائز إخراج زكاة الفطر نقدًا.

هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقدًا

المسلم يعرف أن من الواجب عليه إخراج زكاة الفطر كل عام بعد الفطر من شهر رمضان، وهي صاع من التمر، أو صاع من شعير، أو بر، أو زبيب، وذلك عن نفسه، وعمّن تلزمه نفقته، والأصل في هذا حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- «أن رسول الله ﷺ فرض زكاة الفطر صاعًا من التمر، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من زبيب، أو صاعًا من أقط» الحديث، وهي طهرة للصائم وإغناء لفقراء المسلمين من السؤال في يوم العيد([1])، وغالب رأي الفقهاء إخراجها عينًا من هذه الأصناف.

ففي المذهب الحنفي: تجب الزكاة من أربعة الأشياء المشار إليها، وما عداها كالأرز والخبز والعدس فتعتبر القيمة، وهذا صريح في أنه يجوز دفع القيمة في هذه الزكاة، بل اعتبروا أن هذا هو الأفضل([2]).

وفي مذهب الإمام مالك: لا يجزئ هذه الزكاة ولا في غيرها من الزكاة القيمة، وهذا هو القول الصحيح عند الإمام مالك وأكثر أصحابه، وقد روي عنه وعن طائفة أخرى من أصحابه: أن القيمة تجزئ من أخرجها في زكاة الفطر([3]).

وفي مذهب الإمام الشافعي: لا يجوز إخراج القيمة فلو أخرج قيمة الصاع دراهم أو دنانير لا يجوز؛ لأن رسول الله ﷺ نص على قدر متفق في أجناس مختلفة، فسوى بين قدرها مع اختلاف أجناسها وقيمتها، فدل على أن الاعتبار بقدر المنصوص عليه دون قيمته([4]).

وفي مذهب الإمام أحمد: لا تجزئ القيمة في زكاة الفطر، ولما قيل للإمام أحمد فيمن أعطى دراهم في صدقة الفطر، قال –رحمه الله-: أخاف ألا تجزئه؛ ذلك خلاف سنة رسول الله ﷺ، ولما قيل له: إن قومًا يقولون: إن عمر بن العزيز كان يأخذ بالقيمة، قال: يَدَعُون قول رسول الله ﷺ: ويقولون: قال فلان([5]).

قلت: ولا يماري أحد في أن الأفضل بل الواجب اتباع سنة رسول الله ﷺ، فيما حدد من الأنواع التي تجزئ في هذه الزكاة، والأصل فيه قول الله –عز وجل-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]. وقول رسول الله ﷺ: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور» الحديث([6])، ولعل تحديد هذه الأشياء بحكم الزمان الذي كانت فيه سائدة في طعام الناس؛ فالتمر مثلًا كان طعامًا، والزبيب والأقط كذلك، فإذا كان طعام الناس في أي زمان من هذه الأشياء، فالواجب عدم إخراج غيرها لا عينًا ولا قيمة. أما إذا تغيرت عادات الناس في طعامهم، فالأولى مراعاة هذه العادات، فليس من الواجب إذًا إخراج الزبيب أو الأقط في مكان لا يأكل فيه الناس هذا الطعام، فالأرز مثلًا إذا كان طعام الناس في بلد – كما هو الحال في هذا البلاد وغيرها- فالأولى إخراج الزكاة منه، وإذا كانت الذرة أو العدس سائدين في بلد فالأولى إخراج الزكاة منهما؛ لأن المقصود سد حاجة الفقراء والمساكين ومواساتهم وإغناؤهم من المسألة، وذلك في إطار التعاون على البر والتقوى بين المسلمين.

قلت: هذا في إخراج زكاة الفطر عينًا، أما إخراجها «قيمة» فيشهد له شواهد عدة منها -ما ورد في مذهب الإمام أبي حنيفة مما أشير إليه، ومنها -ما روي عن الإمام أحمد فقد سئل –رحمه الله- عن رجل باع تمر نخله قال: عشره على الذي باعه، قيل له فيخرج تمرًا أو قيمته؟ قال: إن شاء أخرج تمرًا، وإن شاء أخرج من الثمن، وفي هذا دليل (كما يقول صاحب المغني) على جواز إخراج القيمة([7]). ومن الشواهد -قول معاذ بن جبل –رضي الله عنه- لأهل اليمن: ائتوني (بخميسي) (ثوب طوله خمسة أمتار) أو (لبيس) (ثوب قد لبس) آخذه منكم مكان الذرة أو الشعير، فإنه أيسر عليكم وأنفع للمهاجرين بالمدينة، وفي قول آخر أنه قال لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب آخذه منكم، فإنه أيسر عليكم وأنفع للمهاجرين بالمدينة([8])، ومن الشواهد -ما روي أن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- كان يأخذ العروض في الصدقة من الدراهم([9]).

ومن الشواهد الحسية لإخراج القيمة نقدًا في زكاة الفطر تعدد الحاجات، فليست الحاجة للطعام هي الحاجة الوحيدة في هذا الزمان، بل ترتبت حاجات أخرى من الملابس والأدوية والتعليم والسفر وغير ذلك مما هو محسوس، فما نشهده من قيام المستحقين لها من بيع ما يتلقونه من الطعام ربما بثمن أقل من قيمته لسد حاجاتهم الأخرى دليل على مدى الحاجة للنقود، ناهيك بأن هناك بلدان يوجد فيها المسلمون -كما هو الحال في بلاد الغرب وغيرها- يصعب فيها على المسلم إخراج زكاته من التمر أو البر أو الزبيب أو حتى من الأرز ونحوه؛ لأن عادات الطعام هناك تختلف بالكلية عن هذه الأنواع، ناهيك بأن المستحق لهذه الزكاة أشد حاجة للنقود لسد حاجاته في تلك البلاد، فالقول بإخراجها من تلك الأعيان لا يحقق الغاية من فرض رسول الله ﷺ لها؛ ذلك أن الغاية من هذا الفرض سد الحاجة للمسلم، وهذا لا يتحقق إلا بمراعاة حاجته في الزمان والمكان الذي يعيش فيه.

وخلاصة الجواب: أنه إذا كانت الأنواع التي وردت في السنة، وهي صاع من التمر أو البر أو الشعير أو الزبيب سائدة في بلد مَّا، فالأصل بل الواجب إخراجها منها، أو من الأشياء الأخرى المماثلة السائدة في هذا البلد أو ذاك كالأرز مثلًا. أما إذا كانت هذه الأشياء أو مثيلاتها غير سائدة في بلد يوجد فيه المسلمون، فالأولى إخراج قيمة الزكاة نقدًا؛ لأن إخراجها من تلك الأعيان لا يحقق الغاية من فرض رسول الله ﷺ لها؛ ذلك أن الغاية من هذا الفرض سد حاجة المسلم، وهذا لا يتحقق إلا بمراعاة هذه الحاجة في الزمان والمكان الذي يعيش فيه. والله أعلم.

 

([1]) أخرجه البخاري في كتاب باب صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين برقم (1504) فتح الباري ج3 ص432.

([2]) الفتاوى الهندية للشيخ نظام وجماعة من علماء الهند ج1 ص210-211.

([3]) الكافي في فقه أهل المدينة المالكي لابن عبدالبر ص112.

([4]) الحاوي الكبير للماوردي ج4 ص425.

([5]) المغني لابن قدامة ج4 ص 295.

([6]) أخرجه ابن ماجه في مقدمة سننه برقم (42) ج1 ص16، صححه الألباني في صحيح الجامع، (٢٥٤٩).

([7]) المغني لابن قدامة ج4 ص296.

([8]) المغني لابن قدامة ج4 ص296.

([9]) المغني لابن قدامة ج4 ص296.