الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فظاهر سؤال الأخت أنها تعاني من مرض السكري، وقد نصحها الطبيب بالفطر؛ خشية زيادة المرض بفعل الصوم، الأصل في صيام رمضان قول الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ} [البقرة:183-184]، وفي هذه الآية ثلاثة أحكام: أولها: فرضية صيام شهر رمضان؛ بحسَبه أحد أركان الإسلام، و”كتب” هنا بمعنى فرض، وثاني الأحكام: استثناء المريض والمسافر من هذا الفرض إلى أن يرجع المسافر إلى مقره، ويشفى المريض من مرضه، الحكم الثالث: رحمة الله ورأفته بعباده، وتيسيره لهم فيما فرضه عليهم، والشاهد فيه قوله -عز وجل-: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185]، فالمرض المبيح للفطر نوعان: النوع الأول: مرض مؤقت يلزم المريض بسببه الفراش، ويفقد طاقته طيلة مدته، فهذا المرض موجب للقضاء بعد الشفاء، والنوع الثاني: مرض دائم كمرض القلب والربو والكلى والسكري والأمراض الشديدة، فهذه الأمراض تلازم المريض وتؤثر في قوته مما يصعب أو يتعذر عليه الصيام، والأخت كما في السؤال مريضة بمرض السكري، وهذا من الأمراض المستمرة، فإذا نصحها الطبيب أن مرضها يوجب العذر من الصيام؛ خشية ازدياد خطره فلا حرج عليها -إن شاء الله- من الإفطار، ولكن تجب عليها الكفارة، وهي كيلو ونصف من الطعام المشهور في مكانها، فإن كان هذا الطعام هو الأرز مثلًا فتخرج كل يوم كيلو ونصف منه إطعامًا للمسكين من المسلمين، فإن كان الطعام غير مشهور في مكانها، وأن النقد أنفع للمسكين فتقدر قيمة الطعام (كيلو ونصف عن كل يوم) بالنقد وتعطيها للمستحق، سواء بالتقسيط عن كل يوم أو دفعة واحدة، ولعل هذا هو الأفضل.
فالحاصل: أنه ليس على الأخت صيام بسبب مرضها المستمر، وعليها كفارة.
والله -تعالى- أعلم