الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فأسباب محبة الله للعبد كثيرة، منها محبته لربه وطاعته، والإخلاص في عبادته، واتباع ما أمر به واجتناب ما نهى عنه، ومنها محبة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وطاعته والائتمار بما أمر به والانتهاء عما نهى عنه، فلا تكون محبة الله إلا بمحبة نبيه ورسوله، قال -عز وجل-: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31]، ومن أسباب محبة الله للعبد نفعه لعباده والنصح لهم وعدم ظلمهم، ففي هذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الخلق كلهم عيال الله، فأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله))([1]).
ومن أسباب هذه المحبة حسن الأخلاق ومعاملة الناس بالحسنى والكلمة الطيبة، وفي هذا قال -عز ذكره- لنبيه ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا﴾ [الإسراء: 53]، ومن أسباب محبة الله للعبد ابتغاء العبد لرضاه، واجتناب سخطه ولو أسخط ذلك عليه الناس، وفي هذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((منِ التمسَ رضا اللَّهِ بسَخطِ النَّاسِ كفاهُ اللَّهُ مؤنةَ النَّاسِ، ومنِ التمسَ رضا النَّاسِ بسخطِ اللَّهِ وَكلَهُ اللَّهُ إلى النَّاسِ))([2]).
فإذا كان العبد على هذه الصفة من طاعة الله وطاعة رسوله فهذا دليل على محبة الله له، وإذا أحب الله عبده حببه إلى خلقه، والأصل فيه قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنَّ اللَّهَ إذا أحَبَّ عَبْدًا دَعا جِبْرِيلَ فقالَ: إنِّي أُحِبُّ فُلانًا فأحِبَّهُ، قالَ: فيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنادِي في السَّماءِ فيَقولُ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فأحِبُّوهُ، فيُحِبُّهُ أهْلُ السَّماءِ، قالَ ثُمَّ يُوضَعُ له القَبُولُ في الأرْضِ، وإذا أبْغَضَ عَبْدًا دَعا جِبْرِيلَ فيَقولُ: إنِّي أُبْغِضُ فُلانًا فأبْغِضْهُ، قالَ فيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنادِي في أهْلِ السَّماءِ إنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلانًا فأبْغِضُوهُ، قالَ: فيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ له البَغْضاءُ في الأرْضِ))([3]).
فالحاصل أنه كلما اقترب العبد من ربه بطاعته وطاعة رسوله أحبه، وأنزل محبته في قلوب عباده، والله -تعالى- أعلم.
([1]) أخرجه البزار، برقم: (6947)، (13/332)، وأبو يعلى، برقم: (3315)، (6/65)، من حديث أنس -رضي الله عنه-، والطبراني في الكبير، برقم: (10033)، (10/86)، من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، برقم: (2946)، ص: (432).
([2]) أخرجه الترمذي، أبواب: الزهد، برقم: (2414)، (4/213)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم: (2311)، (5/392).
([3]) أخرجه البخاري، كتاب: الأدب، باب: المقة من الله تعالى، برقم: (6040)، (8/14)، ومسلم، كتاب: البر والصلة والآداب، برقم: (2637)، (8/40)، واللفظ له.