الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:
فالأضحية سنة مؤكدة للقادر عليها، وقد ورد في فضلها عدة أحاديث، منها: حديث أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: «ما عَمِلَ آدميٌّ من عملٍ يومَ النحرِ أحبَّ إلى اللهِ من إهراقِ دمٍ، وإنهُ ليأتي يومَ القيامةِ في قرنِه بقرونِها وأشعارِها وأظلافِها، وإنَّ الدمَ لَيَقَعُ من اللهِ بمكانٍ قبلَ أن يقعَ في الأرضِ، فطِيبُوا بها نفسًا”([1]).
ومن هذه الأحاديث: حديث زيد بن أرقم -رضي الله عنه- أنهم قالوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما هذه الأضاحي؟، قال: «سنة أبيكم إبراهيم-عليه السلام-». قالوا: ما لنا فيها من الأجر؟، قال: «بكل قطرة حسنة»([2]).
وما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى ا لله عليه وسلم- قد ضحى بكَبْشينِ أمْلَحَيْنِ أقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُما بيَدِهِ، وسَمَّى وكَبَّرَ([3]).
والأضحية عن الحي وأهله، وتجب في حال الوصية بها، بمعنى أن المسلم إذا أوصى بأن تذبح عنه بعد موته، أو تذبح عن والديه؛ وجب على من يتولى أمره بعد وفاته القيامُ بها.
هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخت عما هو الأفضل لها ذبح الأضحية أو التصدق بثمنها؟.
فالجواب أنه يوجد خلاف بين بعض الفقهاء، فقيل في روايةٍ عن الإمام مالك: إن التصدق بثمنها أفضل من ذبحها([4]) وفي رواية في مذهب الإمام أبي حنيفة([5])، وعند الشافعية([6]) والحنابلة([7]) أن ذبحها أفضل من التصدق بثمنها، وقال الإمام ابن قدامة: “والأضحية أفضل من الصدقة بقيمتها. نص عليه أحمد”([8]).
قلت: ولعل الصواب -والله أعلم – أن ذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها؛ لأسباب متعددة، منها: أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ضحى، وحث عليها، ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة كما قال الله -عز وجل-: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ (الأحزاب: 21).
ومنها: أن خلفاءه وصحابته ومَنْ خلفهم ضَحَّوْا، وقد أمر-عليه الصلاة والسلام- بالاستنان بسنتهم في قوله: «عليكُم بسنَّتي وسنَّةِ الخلفاءِ الرَّاشدينَ المَهديِّينَ من بعدي، تمسَّكوا بِها، وعضُّوا عليها بالنَّواجذِ»([9]).
ومن الأسباب: أنها تذبح في أيام النحر، وهي أيام مباركة يتسابق فيها حجاج بيت الله الحرام إلى أداء منسكهم.
ومن الأسباب: أن في الأضحية صدقةً عن الحي والميت، ففي لحومها إطعام للفقراء والمساكين الذين لا يحصلون على هذا الإطعام خلال سَنَتِهم.
ومن هذه الأسباب: أنها طاعة وقربان إلى الله، فهو-عز وجل-يحب التقرب إليه بالطاعات.
والله -تعالى- أعلم.
[1] أخرجه الترمذي(1493)، وابن ماجة (3126)، والبيهقي في السنن الكبرى 9/261، حسنه السيوطي في الجامع الصغير، (٧٩٣٠)..
[2] أخرجه ابن ماجة برقم (3127)، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى برقم (19016)، قال الحاكم في المستدرك على الصحيحين، (٣٥١٢): صحيح الإسناد.
[3] أخرجه البخاري (5565)، ومسلم (1966).
[4] المدونة ج4ص763، وتفسير القرطبي ١٥/ ١٠٧، ومصنف عبد الرزاق ٤/ ٣٨٥، والمجموع ٨/٤٢٥، وفتح المالك ٧/ ١٨.
[5] البحر الرائق لابن نجيم (٨/ ٢٠٠).
[6] المجموع للنووي (٨/ ٤٠٥).
[7] المغني لابن قدامة (٩/ ٤٥٥)، وكشاف القناع للبهوتي (٣/ ٨).
[8] المغني ٩/ ٤٣٦.
[9] أخرجه أبو داود (4607)، واللفظ له، وأحمد (17185)، صححه الألباني في صفة الفتوى، (٥٥).