سؤال من الأخت (قدوتي أمي وأبي) من الجزائر: ما الحكمة من تحريم الربا؟

ما هي الحكمة من تحريم الربا

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:

فتحريم الربا أمر من أوامر الله، وهو أعلم بحكمته فيه، والأمر بتحريمه مثل الأوامر التي أرادها الله لصالح عباده، فإقامة الصلاة أمر إلهي، الله أعلم بالحكمة منها، وظاهر الأمر فائدة للمصلي؛ فهو في صلاته يناجي الله ويستغفره عن خطيئته وذنوبه، فهو أقرب إليه، والقرب منه من أعظم ما يتطلع إليه المسلم، ففي الصلاة قربة إلى الله، وفيها راحة عضوية وراحة نفسية. أما الراحة العضوية فما فيها من الحركة والنشاط ونبذ الخمول والكسل، وأما الراحة النفسية فاطمئنان العبد في نفسه، ففيها ذكر وفي الذكر اطمئنان وراحة، قال -تعالى-: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]، وفي هذه الطمأنينة راحة للنفس وقوة؛ ولهذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول -فيما رواه سالم بن أبي الجعد-: ” يا بلالُ، أقمِ الصلاةَ، أرِحْنا بها”([1]).

وفي المال أمر بإخراج نسبة منه لتزكيته وتطهيره مما يكون قد علق به من خطأ، وفي هذا قال الله -عز وجل- لنبيه ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة: 103].

وفي النهي عن الفواحش منفعة ظاهرة للمسلم؛ لأن اجتنابها يحميه من الأمراض والأدران وسوء العواقب؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ؛ حتى يُعْلِنُوا بها إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا”([2]).

هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخت عن الحكمة من الربا فمع أن هذا التحريم أمر إلهي إلا أن ظاهره في التحريم مثل أي أمر حرمه الله، والحكمة في تحريمه أنه استغلال للضعيف؛ فالعرب في جاهليتهم -ومثلهم الأمم الأخرى- يرابون لزيادة ثرواتهم على حساب الضعفاء منهم، فيقرضون المحتاج بأكبر الفوائد، فإذا تأخر في سداد الدين ضاعفوه عليه، فيزداد القوي قوة ويزداد الضعيف ضعفًا، ويبقى طيلة حياته مقيدًا بهذا الدين؛ ولهذا خاطب الله -عز وجل- المؤمنين بأن يتركوا الربا إن كانوا مؤمنين بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [البقرة: 278]، ثم حذرهم بقوله -تقدس اسمه-: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279]. وهل يستطيع مخلوق أن يحارب الله ورسوله؟ ولرحمته -عز ذكره- بعباده وخاصة الضعفاء منهم، أمر الدائنين أن ينظروا المعسر من مدينيهم بقوله: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ} [البقرة: 280]. بل حذرهم -عز وجل- بقوله: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281].

فالحاصل: -جوابًا عن سؤال الأخت- أن الحكمة في تحريم الربا رفع ظلم القوي واستغلاله للضعيف، وقد أبطل الله لهذا السبب الربا في الجاهلية، وفيه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام حجة الوداع، فيما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-: “وربا الجاهليةِ موضوعٌ، وأولُ ربًا أضعُ من رِبَانَا ربا العباسِ بنِ عبدِ المطلبِ”([3]).

والله -تعالى- أعلم.

[1] صحيح سنن أبي داود للألباني(4985).

[2] أخرجه ابن ماجه (4019)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (4671)، والحاكم (8623) باختلاف يسير وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم(7978).

[3] أخرجه مسلم (1218).