سؤال من الأخت ف.ب. من الجزائر، يقول: شيخي الفاضل، سؤالي طويل بعض الشيء، زوجي بدأ عمله كتاجر في مواد البناء برأس مال بسيط لأبيه في التسعينات. وعمل على استثمار هذا المال، وكان يعيش مع أبيه في بيت واحد لا حساب بينهم، لا في المصروف ولا في بقية المال. كانت تجارة تجزئة هو يغيب ويحضر السلع، وأبوه يقف في المحل مع العمال، ثم وسّع زوجي العمل إلى تجارة جملة، وفي هذه الرحلة والده تناقصت صحته وأصبح لا يستطيع العمل، وتزوج زوجي وأنجب أبناء وبقينا على الحال ذاتها، وزوجي يعمل في المال ويتعب ويشقى، ثم توفي أبوه سنة 2016 وكان زوجي قد اشترى بيتًا ومكانًا للعمل وبيع السلع بالجملة، وكانت أخواته قد تزوجن وأخوه يعمل عملًا منفصلًا عنه. سؤالي: أيعد هذا المال إرثًا لأبيه أم ماله الخاص؟ علمًا أنه بعد موت أبيه حسب المال الذي كان في بيع التجزئة وقسّم التركة بين أخواته، وجعل مال البيع بالجملة ماله الخاص، وعلمًا أيضًا أنه لا أحد من إخوته اعترض أو طالب بشيء آخر، ولكن هو يريد تبرئة ضميره فيما يخص الأملاك التي اشتراها في حياة أبيه، وبعلم أبيه وقبوله. أفيدونا بالحكم الشرعي -بارك الله فيكم- فضيلة الشيخ عبد الرحمن النفيسة.

براءة الذمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

 فظاهر سؤال الأخت أن زوجها بدأ تجارة  بسيطة بمال قليل من والده، فكان يعمل ويحضر المواد فأصبحت التجارة ذات شقين : تجارة تجزئة وتجارة جملة،  فكان الزوج يحضر المواد والأب يعمل في المحل، وبعد وفاة الأب قسمت تجارة المتجزئة  علـى الورثة . والسؤال عن الأملاك التي اختص بها الولد حال حياة أبيه .

 والجواب: أنه إذا كان الورثة اكتفوا بما نالهم من تجارة التجزئة، ولم يطلبوا من أخيهم شيئًا غيرها فقد برئت ذمته، وليس لأحد منهم عليه من سبيل؛ لأن الرضا فاصل للنـزاع.  هذا من جهة، ومن جهة أخرى  يتضح من السؤال -أو هكذا يبدو- أن الزوج نمى تجارة التجزئة والجملة بجهده، وقد استقل بأموال خاصة به، والسؤال عن براءة ذمته.  والجواب  أن هذه البراءة تعتمد عليه ذاته، فإن كان هذا المال  الخاص مستقلًّا عن المال الذي أعطاه له والده من ا لبداية فمن حقه أن يختص به . أما إذا كان له علاقة بالتجارة التي بدأت بمال أبيه، فالواجب أن يبـرئ ذمته  من إخوته . أما إذا كان قد فصل هذا المال عن المال الذي بدأت به التجارة فهذا من حقه وحده، وليس لإخوته فيه شيء؛ فبـراءة الذمة هنا مبنية على نيته وتعتمد عليها؛ فالأعمال بالنيات؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه و سلم- : (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى )([1]).

فالحاصل : أنه إذا كان المال الذي جمعه متصلًا بالمال الذي بدأ به من أبيه  فهذا لا تبـرأ ذمته إلا إذا وافق عليه إخوته . أما إذا كان  منفصلًا عن المال الأول فهو من حقه وحده، فبـراءة ذمته تعتمد على نيته، وعلـى واقع المعاملة التـي تجري فـي تنمية هذا المال .

 والله -تعالى- أعلم .

[1] – أخرجه البخاري برقم : (1).