الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فالأصل ألا تحتاج الزوجة وهي في عصمة زوجها، فيجت أن يتولى زوجها طعامها وشرابها ولباسها وعلاجها، وكل ما تحتاجه في بيتها حق على الأزواج، بحكم عقودهم التي سماها الله ميثاقًا غليظًا في قوله –تعالى-: {وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا}، [النساء:21].
والأصل في وجوب النفقة كتاب الله وسنة رسوله – -صلى الله عليه وسلم- – وإجماع الأمة:
أما الكتاب: فقول الله – تعالى-: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}، [الطلاق:7]، وقوله -عز وجل-: {وعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا}، [البقرة:233]، وقوله -عز ذكره-: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ۚ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}، [الطلاق:6]. أما في السنة: فالأحاديث كثيرة، منها ما رواه معاوية بن حيدة القشيري -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسولَ اللَّهِ، ما حقُّ زَوجةِ أحدِنا علَيهِ؟، قالَ: أن تُطْعِمَها إذا طَعِمتَ، وتَكْسوها إذا اكتسَيتَ، أوِ اكتسَبتَ، ولا تضربِ الوَجهَ، ولا تُقَبِّح، ولا تَهْجُرْ إلَّا في البَيتِ([1]) ومنها حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاءت هندٌ إلى النَّبيِّ – -صلى الله عليه وسلم- -، فقالت: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّ أبا سفيانَ رجلٌ شحيحٌ، لا يعطيني ما يَكفيني وولَدي، إلَّا ما أخذتُ من مالِهِ، وَهوَ لا يعلَمُ، فقال: (خُذي ما يَكفيكِ وولدَكِ بالمعروفِ)([2])، وفي حجة الوداع قال -عليه الصلاة والسلام-: (واستوصوا بالنساء خيرًا)([3]).
وأما الإجماع: فإن الأمة مجمعة على وجوب نفقة الزوجة إذا كانت في ولاية الزوج، وهي غير ناشزة منه، فإذا كانت الزوجة عند الزوج في بيته، تعاشره بالمعروف، طائعة راضية فلا يتصور أن يتركها محتاجة تسأل إعطاءها من زكاته. هذا لا يجوز بل يجب على الزوج نفقتها حسب مثيلاتها.
فالحاصل أنه لا تجوز زكاة الرجل لزوجته، بل تجب عليه نفقتها.
والله – تعالى- أعلم.
[1]– صحيح سنن أبي داود للألباني (2142).
[2]– أخرجه البخاري (3825)، ومسلم (1714)، وأبو داود (3532)، والنسائي (5420)، وابن ماجه (2293) واللفظ له، وأحمد (24163).
[3]– أخرجه البخاري (5185، 5186)، ومسلم (47، 1468).