الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد بين الله -عز وجل- شهادة المرأة في الدَّين، فقال – تعالى-: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ) (البقرة:282)، فدل هذا حكمًا على أن المرأة تشهد في الدِّين، اثنتان مع رجل فتكتمل الشهادة، أما في النكاح فلم يؤثر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما نعلم- حكم في هذا. وتعد شهادة المرأة مقبولة فيما لا يطلع عليه إلا النساء كالقابلة، وما يتعلق بخصوصيات المرأة مما لا يطلع عليه الرجال.
وقد وردت في هذه المسألة أقوال الفقهاء، فيشترط المالكية والشافعية والحنابلة في شاهدي النكاح الذكورة، فلا ينعقد النكاح عندهم بشهادة النساء، ولا بشهادة رجل وامرأتين؛ لأنه لا يثبت بقولهن([1])، وقال الإمام مالك لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في القصاص ولا في الطلاق ولا في النكاح([2])، واستدلوا بما نقل عن الزهري ما نصه: “مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ، وَلَا فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ”([3]).
وذهب الحنفية أنه لا يشترط ذكورة شاهدي النكاح، فينعقد عندهم بحضور رجل وامرأتين([4]).
وممن ذهب إلى أن شهادة المرأتين قائمة مقام شهادة الرجل في كل شيء: أبو محمد ابن حزم، كما نص عليه في المحلى([5]).
والله -تعالى- أعلم.
[1]– الشرح الكبير بحاشية الدسوقي ج2 ص216، ومغني المحتاج ج3 ص 144، وكشاف القناع ج5 ص 65- 66، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف ج8 ص 102، والمغني لابن قدامة ج6ص452.
[3]– المدونة الكبرى ج2 ص 151.
-[4] بدائع الصنائع للكاساني ج2ص255.
[5]– المحلى بالآثار ج4 ص 77.