الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد ،وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فظاهر السؤال أن الزوج لا ينفق على زوجته، ومن المعلوم من دين الله بالضرورة، أن على الزوج أن ينفق على زوجته النفقة المعلومة، من طعام وشراب وكساء ودواء ونحو ذلك مما تقضيه الحاجة لهذه الأشياء في حياة الزوجة، والأصل في هذا كتاب الله، وسنة رسوله محمد – صلى الله عليه وسلم – وإجماع الأمة، والعقل. أما الكتاب، فقول الله – جل في علاه-: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا)(البقرة:233) وقوله -عز ذكره-: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ)(الطلاق:7) وقوله: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ۚ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)(الطلاق:6).
وأما وجوب النفقة في السنة، فقد جاءت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّ أبا سفيانَ رجلٌ شحيحٌ، لا يعطيني ما يَكفيني وولَدي، إلَّا ما أخذتُ من مالِهِ، وَهوَ لا يعلَمُ، فقال:( خُذي ما يَكفيكِ وولدَكِ بالمعروفِ)([1]) وقوله -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع: ( اتَّقوا اللهَ في النساءِ؛ فإنَّكم أخذتُموهنَّ بأمانةِ الله، واستحلَلْتُم فروجَهنَّ بكلمةِ الله، وإنَّ لكم عليهنَّ ألَّا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحًدا تكرهونَه، فإنْ فعَلْنَ ذلك فاضرِبوهنَّ ضربًا غيرَ مُبَرِّحٍ، ولهنَّ عليكم رِزقُهنَّ وكِسوتُهنَّ بالمعروفِ)([2]).
وأما الإجماع، فإن الأمة قد أجمعت في سلفها وخلفها على وجوب النفقة على الزوج لزوجته، على شرط أن تمكنه من نفسها، وأما ما يوجبه العقل من نفقة الزوج على زوجته، فالزوجة حبيسة في بيت الزوج، وهذا الحبس يقتضي عقلًا أن يكون لها ما تطعم وما تشرب منه وما تلبس،، فليس من العقل في شيء أن يحبسها الزوج في بيته، ويتركها عالة على نفسها وأهلها.
وإذا كان استحقاق الزوجة للنفقة واجبًا شرعيًّا، فإن فيه أيضًا أجرًا، والشاهد فيه قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” إنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بهَا وجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حتَّى ما تَجْعَلُ في فَمِ امْرَأَتِكَ”([3]).
فالحاصل أن على الزوج في المسألة واجب في النفقة على زوجته، مثلها في ذلك مثل صاحباتها، وإنفاقه عليها حسب قدرته واستطاعته، فلا تكلفه ما لا يقدر عليه؛ عملًا بقول الله – تعالى-: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)(الطلاق:7).
وأما سؤال الأخت عن النصيحة في حالتها ومثلها، فأعظم وأجل نصيحة في هذا الأمر قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في حجة الوداع: ( اتَّقوا اللهَ في النساءِ؛ فإنَّكم أخذتُموهنَّ بأمانةِ الله )([4]) والله – تعالى- أعلم.
[1] أخرجه البخاري (7161)، ومسلم (1714).
[2] أخرجه مطولاً مسلم (1218) باختلاف يسير، وأبو داود (1905)، والنسائي (2961)، وابن ماجه (3074)، (14440).
[3] أخرجه البخاري (56).
[4] أخرجه مسلم (1218).