سؤال من الأخت فائزة.. من الجزائر عن حكم الشك في الحدث الأصغر وحكم الشخص كثير الشكوك.

حكم الشك في الحدث الأصغر وحكم كثير الشك.

للشك ثلاث حالات:

 الحالة الأولى: من يشك في طهارته بعد حدثه: وذلك مثل من يعرف أنه محدث، ولكنه يشك فيما إذا كان قد تطهر من هذا الحدث أم لا، ففي هذه الحالة عليه أن يبني على الأصل، وهو عدم طهارته للحدث؛ لأنه متيقن منه، فيبني على اليقين وهو عدم طهارته.

الحالة الثانية: من يشك في طهارته من الحدث بعد أن تطهر منه، ومثال ذلك من تطهر لصلاة الفجر يقينًا، وعندما أراد صلاة الفجر أو الظهر شك فيما إذا كان قد أحدث، فهذا يبني على طهارته. والأصل في هذا قول رسول الله ﷺ: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا)([1]).

الحالة الثالثة: من يشك أنه أحدث أو أنه تطهر فهذا يجب عليه أن يتوضأ؛ لأنه لا يعرف حاله أكان نائمًا، أم خرج منه ما يوجب الوضوء كالبول أو الريح. والأصل في هذا براءة الذمة بالوضوء.

أما سؤال الأخت عما يصيب الإنسان من الشكوك فلا شك أن هذا من الشيطان، وغايته الوسوسة للإنسان في عبادته وإدخال الشكوك والشُّبهِ عليه حتى يتمكن منه، ثم يطيعه بما يمليه عليه ويوسوس له به، ولهذا أرشد الله نبيه أن يتعوذ منه في قوله عز وجل: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم}([2]). وقوله تعالى: {وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِين* وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُون}([3]). وقوله عز من قائل: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم}([4]). وقوله تقدست أسماؤه: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس}([5]). إلى قوله تعالى: {مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاس}([6]). {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاس}([7]). {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاس}([8]).

وإرشاد الله لنبيه توجيه لأمته أن يتعوذوا من وساوس الشياطين وشبههم وأحابيلهم. وكما أرشد الله أمة نبيه بيّن لهم نبيه ورسوله محمد ﷺ ما يفعله الشيطان بهم بقوله: (ما منكم من أحد إلا وكل به قرينه من الجن) قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: (وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير)([9]). وفي حديث آخر قال رسول الله ﷺ: (ليس منكم من أحد إلا قد وكل به قرينه من الشياطين) قالوا: وأنت يا رسول الله، قال: (نعم ولكن الله أعانني عليه فأسلم)([10]). وقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس وإن نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس)([11]). وقد روى أنس بن مالك -رضي الله عنه- زيارة صفية -رضي الله عنها- لرسول الله ﷺ وهو معتكف فخرج معها ليلًا ليردها إلى منزلها، فلقيه رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي ﷺ أسرعا، فقال رسول الله ﷺ: (على رسلكما إنها صفية بنت حيي) فقالا: سبحان الله يا رسول الله، فقال: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا)([12]).

فعلى كل من وجد شيئًا من الوساوس فليعلم أنها من الشيطان، وأن هذا لا ينحسر عن العبد إلا بالتعوذ منه، وذكر الله عز وجل، والاعتصام بحبل الله المتين، والتوكل عليه، والاستعانة به، والاستعاذة والاستغاثة به، والرجاء منه، والبعد عن المنكرات ما ظهر منها وما بطن، فإذا فعل ذلك فإن الشيطان لا يضره ولا تضره وسوسته، فقد روى ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رجلًا جاء إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، إني لأحدث نفسي بالشيء لئن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به، فقال رسول الله ﷺ: (الله أكبر الله أكبر الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة)([13]).

 

([1]) أخرجه مسلم، (362)، أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب إذا شك في الحدث، سنن أبي داود، ج1 ص45، برقم (177).

([2]) سورة الأعراف الآية 200.

([3]) سورة المؤمنون الآيتان 97-98.

([4]) سورة فصلت الآية 36.

([5]) سورة الناس الآية 1.

([6]) سورة الناس الآية 4.

([7]) سورة الناس الآية 5.

([8]) سورة الناس الآية 6

([9]) أخرجه مسلم في كتاب صفات المنافقين، باب تحريش الشيطان، وبعثه سراياه لفتنة الناس، وأنّ مع كل إنسان قريناً، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج9 ص263-264، برقم (2814).

([10]) أخرجه الإمام أحمد في المسند، ج1 ص257، صحح إسناده أحمد شاكر في تخريج المسند، (٤/٩٣).

([11]) ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره لسورة الناس، ونسبه لأبي يعلى الموصلي، وقال: ‹‹ غريب››، تفسير القرآن العظيم، ج4 ص580، قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري، (٨/٦١٤): إسناده ضعيف.

([12]) أخرجه البخاري في كتاب الأحكام، باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولاية القضاء أو قبل ذلك للخصم، فتح الباري، ج13 ص169، برقم (7171)، وأخرجه ابن ماجة في كتاب الصيام واللفظ له، باب في المعتكف يزوره أهله في المسجد، سنن ابن ماجة، ج1 ص566-567، برقم (1779).

([13]) أخرجه الإمام أحمد في المسند، ج1 ص235، قال أحمد شاكر في تخريج المسند لشاكر، (٣/٣٥١): إسناده صحيح.