الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فالأصل في هذه المسألة العلاقة بين الزوج وزوجته عند زواجهما، بمعنى إذا كان قد اشترط عليها تربية بناته من طليقته أم لا، فإن كان قد اشترط عليها لزمها هذا الشرط؛ لأن الوفاء بالعقد أمانة، وأمر من الله بالوفاء؛ لقوله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (المائدة:1). وقوله -عز ذكره-: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤولًا) (الإسراء:34)، وقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: (مقاطع الحقوق عند الشروط)([1])، أما إذا لم يكن هناك شرط بين الزوج على زوجته فتبقى المسألة من الفضائل بين الزوجين، وما يتفرع عنها من حسن المعاشرة والأخلاق وكرم النفس؛ فالزوج حين تزوج كان يتوقع من زوجته أن تقبل بناته وترعاهن وتعمل على تربيتهن، فهن أخوات لأولادها، ولا شك في أن عدم قبول تربيتهن سيؤدي إلى مشكلات بين الزوج وزوجته، فهو لا يستطيع التخلي عنهن، فالأقرب له زوجته في رعاية أولاده ولو كانوا من طليقته.
فلعل الأخت في المسألة أن تحتسب رعايتهن عند الله، فيكون لها الأجر عندما تربي هؤلاء الفتيات، وتحسن إليهن وإلى زوجها، وقد أكد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق والمصدوق رعاية البنات، وذلك فيما روته عائشة -رضي الله عنها- قالت: (جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ، وَمعهَا ابْنَتَانِ لَهَا، فَسَأَلَتْنِي فَلَمْ تَجِدْ عِندِي شيئًا غيرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فأعْطَيْتُهَا إيَّاهَا، فأخَذَتْهَا فَقَسَمَتْهَا بيْنَ ابْنَتَيْهَا، وَلَمْ تَأْكُلْ منها شيئًا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ وَابْنَتَاهَا، فَدَخَلَ عَلَيَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثَهَا، فَقالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ البَنَاتِ بشيءٍ، فأحْسَنَ إلَيْهِنَّ كُنَّ له سِتْرًا مِنَ النَّارِ)([2]).
فالزوجة إذا قامت بهذه الرعاية حظيت بهذا الأجر العظيم، ولو كانوا من غيرها.
والله -تعالى- أعلم.
[1] – أخرجه البخاري 3/190 كتاب النكاح باب الشروط في المهر عند عقدة النكاح، صححه الألباني في إرواء الغليل، (١٨٩١).
[2] – أخرجه البخاري برقم: (1418).