الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله الأمين محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
ففي المسألة تفصيل: فإن كان الولد لا يزال صغيرًا ولم يتعلم أمر دينه فالواجب على وليه الإنفاق على تعليمه، فهذا العلم مثل إنفاقه عليه في طعامه وشرابه وكسائه، وأما إن كان الولد قد تجاوز هذه المرحلة وتطلع إلى الدراسة في شمولها وأنواعها فلا يلزم والده بالإنفاق عليه إلا من باب الاستحباب، وعلم الولد علم لأبيه، فإذا بخل الأب على ولده فقد بخل على نفسه، ولا أظن أن والدًا يبخل على ولده بالعلم.
فالعلم مما أمر الله به، فأول ما نزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قول الله -تعالى- : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)(العلق:1) وقد فرق بين من يعلم ومن لا يعلم، فقال -عز ذكره -: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)(الزمر:9). ولما تكامل الصحابة -رضوان الله عليهم- في المدينة استعدوا للجهاد لإبلاغ رسالة الله إلى عباده -أمرهم الله أن تبقى فرقة منهم في المدينة تعلم الناس أمر دينهم، فيتحقق للمسلمين شيئان : الأول: الجهاد، والثاني: العلم ومحاربة الجهل، وفي هذا قال -عز وجل-: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(التوبة:122) فدل هذا على أهمية العلم وفضله في الدين والدنيا، وليس أحب إلى الأب من أن يرى ولده عالمًا ومعلمًا، فلا يبخل عليه، فإن بخل عليه فقد بخل على نفسه . والله – تعالى-أعلم.