سؤال من الأخت ع.س. من الجزائر، تقول فيه: هل يجوز للجنب إعادة قراءة القرآن عند سماعه، أي: ترديده مع القارئ؟.

حكم ما إذا كان يجوز للجنب إعادة قراءة القرآن بعد سماعه

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فقد ورت عدة أحاديث في منع الجنب والحائض من قراءة القرآن، ومن هذه الأحاديث ما رُوي من طريق شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ عَلِيًّا أَنَا وَرَجُلَانِ، فَقَالَ: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم-يَخْرُجُ مِنْ الْخَلَاءِ، فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَيَأْكُلُ مَعَنَا اللَّحْمَ، وَلَمْ يَكُنْ يَحْجُبُهُ عَنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ”، أي: غير الجنابة، وفي لفظ: “لَا يَحْجُزُهُ عَنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ إِلَّا الْجَنَابَةُ»([1]) .

وقد ذكر الإمام ابن حجر أنه لم يصح عند البخاري من هذه الأحاديث ما يدل على التحريم([2])، فالقرآن من ذكر الله، بل هو من أعلى الذكر وأسماه، وهذا الذكر  في عمومه من صفات المؤمن، وقد أمر الله عباده أن يذكروه بقوله: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ (البقرة:152)، وأخبر-عز وجل-أن في الذكر اطمئنانَ القلوبِ بقوله-تقدس اسمه-: ﴿ألا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد:28).

فالعبد  في كل وقته يجب ألا يبتعد عن ذكر الله، فإذا قرأ القرآن وهو جنب فلا حرج عليه-إن شاء الله-، مَثَلُهُ مَثَلُ الذِّكْرِ في أي حال، ولكن يجب أن يكون ذلك بغير مس المصحف، أي: أن يقرأه عن ظهر قلب، أو يسمعه، ويردد سماعه، فقد حكم  الله في كتابه ألا يمس هذا الكتاب إلا طاهر، فقال-جل في علاه-: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الواقعة: 77-80).

   هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخت فلا بأس-إن شاء الله-من قراءة الجنب والحائض والنفساء، وسماعه، وترديده، المهم أن يكون هذا بغير مَسِّ المصحف. والله – تعالى- أعلم.

 

[1] رواه الإمام أحمد (1011) ، وأبو داود ( 229) ، والنسائي (265) ، وابن ماجه (594)، وهذا الحديث مما تنازع العلماء في صحته؛ نظرًا لاختلافهم في راويه عن علي بن أبي طالب وهو: “عبد الله بن سَلِمة المرادي).

فقد وثقه : ابن حبان ، والعجلي ، ويعقوبُ بن شيبة ، وتكلم فيه غيرهم من  حيث الضبط والإتقان.

قَال العجلي : ” كوفي ، تابعي ، ثقة ” .

وَقَال يعقوب بْن شَيْبَة : ” ثقة ، يعد في الطبقة الأولى من فقهاء الكوفة ، بعد الصحابة” .

وقَال البُخارِيُّ : ” لا يتابَعُ فِي حديثه ” .

وَقَال أَبُو حاتم : ” تَعرف، وتُنكر ” .

وقال عمرو بن مرة : ” كان عبد الله بن سلمة يُحدثنا، فكان قد كَبِرَ ، فكنا نَعرف ونُنكر” .

وقال ابن عدي : ” وقد روى عبد الله بن سلمة عن عليٍّ، وعن حذيفةن وعن غيرهما غير هذا الحديث، وأرجو أنه لا بأسَ به ” .

وقد لخص الحافظ ابن حجر أقوال العلماء فيه، ومال إلى تضعيفه، ولكنه ضعف ليس بالشديد، فقال في التقريب: “صدوق، تغير حفظه”.

ينظر في ترجمته وكلام الأئمة فيه: ” الكامل في ضعفاء الرجال (5/281)، وتهذيب الكمال في أسماء الرجال ” (15/52)، وميزان الاعتدال (2/430)، وإكمال تهذيب الكمال (7/388)، قَالَ الإمام الشَّافِعِي: “أهل الحَدِيث لَا يثبتونه”. انتهى من خلاصة الأحكام (1/207) .

وقال البيهقي: “وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ الشَّافِعِيُّ-رَحِمَهُ اللَّهُ-فِي ثُبُوتِ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَةَ الْكُوفِيِّ، وَكَانُ قَدْ كَبُرَ، وَأُنْكِرَ مِنْ حَدِيثِهِ وَعَقْلِهِ بَعْضُ النَّكْرَةِ، وَإِنَّمَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بَعْدَ مَا كَبُرَ. قَالَهُ شُعْبَةُ “. انتهى من معرفة السنن والآثار (1/323) .

وقال الإمام النووي: “قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ الْمُحَقِّقِينَ: هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ”. انتهى من المجموع شرح المهذب (2/159) . وضعفه كذلك الشيخ الألباني. ينظر: صحيح ابن حبان (977)، والاستذكار (2/460)، وشرح السنة (1/359)، والأحكام الصغرى ص 134، وإرشاد الفقيه (1/62)، والمحرر ص 73 ، وخلاصة الأحكام (1/207)، ومسند الإمام أحمد (2/61) .

[2] فتح الباري لابن حجر (1/408).