الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فالشؤم والطيرة بمعنى واحد، وهو الخوف من النحس، وهي من أفعال الجاهلية عند العرب وعند الأمم، وقد أخبر الله عن أصحاب القرية وتطيرهم من رسلهم، قال -عز ذكره -: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (١٥) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (١٧) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ [يس: 13-19]. أما عند العرب فكان التطير شائعًا، أي التطير من بعض الدواب أو الطيور، فإذا سقطت الهامة على منزل أحدهم قالوا بقرب موته أو موت أهله، كما كانوا يرون أن عظام الميت هامة تطير، كما أن العرب كانوا يتطيرون من شهر صفر فيؤخرون المحرم إلى صفر في النسيء، فأبطل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كل ذلك بقوله: ((لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر))([1]) وقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((الطيرة شرك، الطيرة شرك، ثلاثًا، وما منا إلا.. ولكن الله يذهبه بالتوكل))([2]). وقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من ردته الطيرة من حاجة، فقد أشرك))، قالوا: يا رسول الله، ما كفارة ذلك؟ قال: ((أن يقول أحدهم: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك))([3]).
فهذا التطير أو التشاؤم لا يزال موجودًا عند بعض الناس، وقد تسلل إليهم من الماضي، فمنهم من يتشاءم من ركوب الطائرة أو السفينة، ومنهم من يتشاءم من الطيور أو الحيوانات ذات اللون الأسود، ومنهم من يتشاءم من المرأة أو الولد أو المسكن أو المركب، وهذا كله مخالف لما يجب أن يكون عليه المسلم من الفأل الحسن والتوكل على الله، والاعتقاد بأن ما يصيبه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-([4]) ولكن العبد قد يتعرض للوسوسة من الشيطان، فيرى شيئًا يكرهه، فهنا يجب عليه التوكل على الله، وهو ما أشار إليه عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-أنه قال: ((الطيرة شرك وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل))([5]) والمراد أن أحدنا قد يجد في نفسه شيئًا من هذا ولكن الله يذهبه بالتوكل عليه، فإذا وجد العبد شيئًا من هذا فيتوكل على الله، ويكثر من قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله).
وحاصل القول: إن التشاؤم والطيرة من أفعال الجاهلية، ويدور عند العامة أحاديث عنها غير صحيحة، وقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن التشاؤم وحث على الفأل الحسن، وكان -عليه الصلاة والسلام-يعجبه الفأل الحسن، ويكره الطيرة([6]). والله -تعالى- أعلم.
([1]) أخرجه البخاري، كتاب: الطب، باب: لا هامة، برقم: (5772)، (7/138)، ومسلم، كتاب: السلام، برقم: (2220)، (7/31).
([2]) أخرجه أبو داود، كتاب: الطب، باب: في الطيرة، برقم: (3915)، (6/54)، والترمذي، أبواب: السير، باب: ما جاء في الطيرة، برقم: (1614)، (3/258)، وابن ماجه، أبواب: الطب، باب: من كان يعجبه الفأل ويكره الطيرة، برقم: (3538)، (4/560)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم: (429)، (1/791).
([3]) أخرجه أحمد، برقم: (7045)، (11/623)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم: (1065)، (3/53-55).
([4]) أخرجه الترمذي، أبواب: القدر، باب: ما جاء في الإيمان بالقدر خيره وشره، برقم: (2144)، (4/22)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم: (7585)، (2/1258).
([6]) أخرجه ابن ماجه، أبواب: الطب، باب: من كان يعجبه الفأل ويكره الطيرة، برقم: (3536)، (4/559)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم: (4985)، (2/891).