سؤال من الأخت: ع. أ. من الجزائر، يقول: أيهما أشد ضررًا بالإنسان السحر أم العين؟

السحر والعين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فالسحر منكر عظيم، وهو من عمل الشياطين وأباطيلهم وضلالهم، وقد حرمه الله في صناعته وتعليمه وتعاطيه، قال -تعالى-: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 102]، وقد أمر الله -عز وجل- نبيه ورسوله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وهو أمر لأمته أن يتعوذ من السحر بقوله: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ [الفلق: 1]، إلى قوله: ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ [الفلق: 4]، والمراد به الاستعاذة من الساحرات، فضرر السحر واضح وهو من أعمال الشياطين، ولا يتعاطاه إلا من سفه نفسه وساء فهمه؛ لأن متعاطيه يتحول إلى ألعوبة بين أيدي الشياطين يتصرفون فيه خدمة لأغراضهم وكفرهم. ولِعِظَم أمره وخطره بيَّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عقوبته بقوله: ((حَدُّ السَّاحر ضربه بالسَّيف))([1]).

أما الضرر الآخر في السؤال فضرر العين، وهذا الضرر يتعرض له المعيون نتيجة حسد العائن له في نفسه أو ماله أو ولده، والشاهد فيه أمر الله لنبيه ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو أمر لأمته أن يتعوذ من شر الحاسد وحسده بقوله -تعالى-: ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ [الفلق: 5]، فسماه الله شرًّا وضررًا يجب التعوذ منه، والشاهد فيه أيضًا قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((العين تُدخِلُ الرجلَ القبر، وتُدخِل الجَمَلَ القِدْر))([2])، وقد لام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحد الصحابة حين تعرض لأخيه بالعين فكاد يقتله، وشاهد القصة: أن عامرًا بن ربيعةَ مر بسَهلِ بنِ حنيفٍ وَهوَ يغتسلُ، فقالَ: لم أرَ كاليومِ ولا جِلدَ مُخبَّأةٍ، فما لبثَ أن لُبِطَ بِهِ فأتيَ بِهِ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقيلَ لَهُ: أدرِك سَهلًا صريعًا، قالَ: من تتَّهمونَ بِه؟ِ قالوا عامرَ بنَ ربيعةَ، قالَ: ((علامَ يقتلُ أحدُكم أخاهُ؟ إذا رأى أحدُكم من أخيهِ ما يعجبُهُ فليدعُ لَهُ بالبرَكةِ))([3])، فدل ما ذكر على أن السحر والعين من الشرور، وليس المهم الفرق بينهما في الضرر وإن تفاوتا فيه، وإنما المهم أن ينأى المسلم بنفسه عن هذه الشرور؛ لأن كل عمل سوف يجزى عليه فاعله، والأصل فيه قول الله -عز وجل-: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [النساء: 123]، وقوله -عز ذكره-: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (٤٠) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى﴾ [النجم: 39-41].

([1]) أخرجه الترمذي، ‌‌أبواب: الحدود، باب: ما جاء في حد الساحر، برقم: (1460)، (3/127)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة مرفوعًا، وصححه موقوفًا على جندب -رضي الله عنه-، برقم: (‌‌1446)، (3/641-643).

([2]) أخرجه ابن عدي في الكامل، (8/148)، وأبو نعيم في الحلية، (7/90)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم: (‌‌1249)، (3/250).

([3]) أخرجه ابن ماجه، أبواب: الطب، باب: العين، برقم: (3509)، (4/542)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم: (‌‌2572)، (6/148-150).