الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فحلي المرأة على نوعين: أولهما: إن كان هذا الحلي من ألماس أو اللؤلؤ أو من الأحجار الكريمة الأخرى، فعامّة العلماء على أنه لا زكاة فيه، ولكنهم اختلفوا فيما إذا كان هذا الحلي من الذهب أو الفضة هل تجب فيه الزكاة؟ فعند الإمام أبي حنيفة تجب الزكاة فيه([1])، كما قال الإمام ابن حزم بهذا الوجوب([2])؛ استدلالًا بقول الله -تعالى-: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}، [التوبة:34]، واستدلالًا بما ورد أن امرأتين جاءتا إلى رسولِ اللَّهِ – -صلى الله عليه وسلم- وعليهِما أسوِرةٌ مِن ذَهَبٍ فَقالَ: (أتحبَّانِ أن يسوِّرَكُما اللَّهُ بأسوَرةٍ مِن نارٍ؟ قالَتا لا. قالَ فأدِّيا حقَّ هذا)([3])، و ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (ما مِن صاحِبِ ذَهَبٍ ولا فِضَّةٍ لا يؤدِّي منها حَقَّها إلَّا إذا كان يومُ القيامةِ، صُفِّحَتْ له صفائِحُ مِن نارٍ، فأُحمِيَ عليها في نارِ جهنَّمَ، فيُكوى بها جنبُه وجبينُه وظهرُه، كلَّما برُدَت أُعيدَتْ له في يومٍ كان مقدارُه خمسينَ ألفَ سَنةٍ، حتَّى يُقضى بين العبادِ؛ فيَرَى سبيلَه؛ إمَّا إلى الجنَّةِ، وإمَّا إلى النَّارِ)([4])، وما روي أيضًا عن عائشةَ -رَضِيَ اللهُ عنها- أنها قالت: (لا بأسَ بلُبْسِ الحُلِيِّ إذا أُعطِيَتْ زكاتُه)([5]).
وقال بعدم وجوب الزكاة في الحلي الجمهور من المالكية([6]) والشافعية على الأصح([7]) والحنابلة([8])؛ استدلالًا بأحاديث منها، ما رواه جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ليس في الحلي زكاة)([9]). وما ورد أن عائشة -رضي الله عنها- كانت تلي بناتِ أخيها يتامَى في حِجْرِها، ويلبسن الحُلِيُّ، فلا تُخرِجُ منه الزَّكاةَ([10]) وعن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ -رَضِيَ اللهُ عنها-: (أنَّها كانت تُحلِّي بناتِها بالذَّهَبِ ولا تزكِّيه نحوًا من خمسينَ)([11]).
وقد ذكر الإمام ابن قدامة، أنه ليس في حلي المرأة زكاة، إذا كانت تلبسه([12]).
قلت: هذه المسألة مما اختلف فيها، ولعل من المهم التفريق بين أمرين: الأمر الأول: إذا كان الحلي معدًّا للتجارة أو الادخار أو الزينة فالواجب فيه الزكاة، والأصل فيه قول الله -تعالى-: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}، [التوبة:34].
الأمر الثاني: إذا كان الحلي معدًّا للباس فلا تجب فيه الزكاة، مثله مثل الملابس والأواني ونحوها مما يعد للاستخدام.
والله – تعالى- أعلم.
([1]) ((تبيين الحقائق للزيلعي وحاشية الشلبي)) (1/277)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/215).
([2]) ((المحلى)) (6/75 رقم 684).
([3]) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ج 11/144 بتحقيق أحمد شاكر، وقال: إسناده صحيح.
([5]) رواه أبو عبيد في ((الأموال)) (926) صحَّح إسنادَه ابنُ المُلَقِّن في ((البدر المنير)) (5/582)، وقال ابنُ حجرٍ في ((التلخيص الحبير)) (2/764): له ما يقويه.
([6]) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (1/ 286)، قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (لم يختلِفْ قولُ مالكٍ وأصحابِه في أنَّ الحليَّ المتَّخَذَ للنِّساء لا زكاةَ فيه، وأنَّه العمَلُ المعمول به في المدينة). ((الاستذكار)) (3/150)، وينظر: ((المدونة الكبرى)) لمالك بن أنس (1/305)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/251).
([7]) ((المجموع)) للنووي (6/35)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/272).
([8]) ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 273)، قال أبو داود السِّجستاني: (سمعت أحمد، قال (الحليُّ ليس عندنا فيه زكاةٌ)، وسمعتُه مرَّة أخرى، قال (زكاتُه أن يُعارَ ويُلبَس). ((مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني)) (ص: 114)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/41). رواه الدارقطني في باب (زكاة الحلي) برقم (1926) وقال: أبو حمزة هذا ميمون ضعيف الحديث.
([9]) أخرجه الدارقطني (٢/١٠٧)، وضعفه السيوطي في الجامع الصغير، (٧٦١٥).
([10]) رواه مالك في ((الموطأ)) (2/351)، وابن زنجويه في ((الأموال)) (1782)، والبيهقي (4/138) (7784). قال ابنُ عبد البَرِّ في ((الاستذكار)) (3/31): أثبتُ إسنادًا وأعدَلُ شهادةً. وصحَّحه ابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (5/582)، وصحَّح إسناده النووي في ((المجموع)) (6/33)، والألباني في ((آداب الزفاف)) (192).