سؤال من الأخت ط.ر. من الجزائر تقول: أنا امرأة حاصلة على الماجستير، و محاضرة في الجامعة، متزوجة من ثماني سنوات، قبل عقد النكاح اشترطت على زوجي مواصلة عملي، والآن بعد ثماني سنوات زوجي يمنعني عن الاستمرار في العمل، علمًا بأنه لم ينفق عليّ من بداية الزواج إلى الآن، وأنا أتكفل بالإنفاق على نفسي وبنتي، فهل يجوز لي طلب فسخ عقد النكاح؟

حكم طلب فسخ عقد النكاح لمن منعت من العمل وقد اشترطته

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد،،

فظاهر سؤال الأخت أن زوجها يمنعها من العمل رغم اشتراطها عليه أن تعمل، كما أنه لا ينفق عليها و لا على ابنته.

والجواب عن هذا فيه تفصيل؛ ففيما يتعلق بمنع زوجها لها من العمل -رغم شرطها عليه عند زواجهما – فهذا المنع لا يجوز لسببين: أولهما: أن الشرط يلزمه ويجب عليه الوفاء به، والأصل فيه قول الله – عز وجل -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (المائدة:1)، وقوله – عز ذكره -: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤولًا) (الإسراء:34)، والأصل فيه أيضًا قول رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: “المسلمون على شروطهم، إلا شرطًا حرم حلالًا، أو أحل حرامًا”([1]) وقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: “مقاطع الحقوق عند الشروط”([2]). والوفاء بالعقد أمانة في عنق من عقده، فعدم الوفاء به يعد خيانة، وقد نهى الله – عز وجل- عن خيانة الأمة في قوله تقدس اسمه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) (الأنفال:27)، وعدم الوفاء بالعقد يعد من بخس الحقوق بين العباد، وقد سماه الله فسادًا بقوله: (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ” (هود:85)، هذا في كتاب الله.

أما في سنة رسوله فقوله- عليه الصلاة والسلام-: “آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان”([3]).

 وثاني السببين: أن العمل حق للمرأة ولو لم تشترطه على زوجها، ولا يستثنى من ذلك إلا إذا كانت قد قصرت في واجبها نحو زوجها، أو كان ثمة مانع شرعي يتعلق بالعمل، مما له علاقة بالدين والأخلاق، وما عدا ذلك فليس للزوج الحق في منع زوجته من العمل؛ لأن ذلك من حقوقها العامة، مثلها في ذلك مثل الرجال.

أما ما ذكرته الأخت أن زوجها لا ينفق عليها ولا على ابنته، فهذا أيضًا لا يجوز، فالزوجة – أي زوجة- لها الحق في النفقة إذا كانت في عصمة زوجها وفي بيته، ولم يحدث منها تقصير في أداء حقوقه، والأصل فيه قول الله- تعالى-: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ۚ) (الطلاق:6)، هذا من حيث الحكم، أما من حيث العقل فلا يتصور أن تكون الزوجة حبيسة في بيت زوجها ولا ينفق عليها.

وأما ما أشارت إليه الأخت السائلة بأن زوجها لا ينفق على ابنته، فهذا أيضًا لا يجوز؛ فالولد مادام في صغره فهو في ذمة والده وكفالته، وفي هذا قال الله- عز وجل-: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة:233).

ومع ما يوجبه الشرع من الإنفاق على الزوجة والولد بكون ذلك حقًّا لهم، فإن في الوفاء بهذا الحق أجرًا؛ لقول رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: “دينارٌ أنفقْتَهُ في سبيلِ اللهِ، ودينارٌ أنفقتَهُ في رقَبَةٍ، و دينارٌ تصدقْتَ بِهِ على مسكينٍ، ودينارٌ أنفقتَهُ على أهلِكَ، أعظمُها أجرًا الذي أنفقْتَهُ على أهلِكَ”([4])، وجاءت هند إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي، فقال: “خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف”([5])، وقوله- عليه الصلاة والسلام-: “إنَّ لَكُم مِن نسائِكُم حقًّا ولنسائِكُم عليكُم حقًّا؛ فأمَّا حقُّكم على نسائِكُم فلا يُوطِئْنَ فرُشَكُم من تَكْرَهونَ، ولا يأذَنَّ في بيوتِكُم لمن تَكْرَهونَ، ألا وحقُّهنَّ عليكم أن تُحسِنوا إليهنَّ في كسوتِهِنَّ وطعامِهِنَّ”([6])، وعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: “أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلاَ تَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلاَ تُقَبِّحْ، وَلاَ تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ”([7]).

فالحاصل في المسألة وجوب وفاء الزوج بما اشترطته عليه زوجته، ووجوب وفائه بحق زوجته وابنته في النفقة، من طعام وشراب وسكن وكساء ونحو ذلك مما توجبه الأعراف والآداب والأخلاق.

أما السؤال عمّا إذا كان يجوز لها طلب فسخ النكاح، فالفسخ يجوز من حيث العموم إذا توافرت أسبابه، ومنها وجود خلل في عقد النكاح، ولكن هذا الفسخ يتم عن طريق القضاء.

والله- تعالى- أعلم.

 

[1] – أخرجه الترمذي برقم: (1352)، صححه الألباني في صحيح الترمذي، (١٣٥٢)..

[2] – أخرجه البخاري 3/190 كتاب النكاح باب الشروط في المهر عند عقدة النكاح، صححه الألباني في إرواء الغليل، (١٨٩١).

[3] – أخرجه البخاري برقم: (33).

[4] أخرجه مسلم (995).

[5] أخرجه البخاري ( 5364)، ومسلم( 1714).

[6] صحيح سنن ابن ماجه (1513)، حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، (١٥١٣).

[7] صحيح سنن أبي داود(2142)، قال الألباني في صحيح أبي داود، (٢١٤٢): حسن صحيح.