الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فالجواب: أن الوفاء بالدين يجب أن يقدم على الكفارة، فالدائنون يريدون حقهم، ولا ينتظرون إلى ما بعد إخراج كفارة اليمين، والأصل أن الدَّيْنَ يجب الوفاء به في الحال، وعدم تركه للمآل، وقد عظَّمَ رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أمر الدَّيْنِ، فلم يُصَلِّ على من توفي وهو مدين؛ فيما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: كانَ النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ-لا يصلِّي على رجلٍ عليْهِ دَينٌ، فأُتِيَ بميِّتٍ، فسألَ: «أعليْهِ دينٌ»؟ قالوا: نعم! عليْهِ دينارانِ، قالَ: «صلُّوا على صاحبِكم»، قالَ أبو قتادةَ: هما عليَّ يا رسولَ اللَّهِ، فصلَّى عليْهِ، فلمَّا فتحَ اللَّهُ على رسولِهِ قالَ: «أنا أولى بِكلِّ مؤمنٍ من نفسِهِ، مَنْ ترَكَ دَينًا فعليَّ، ومن ترَكَ مالًا فلورثتِهِ»([1])، وقال-عليه الصلاة والسلام-فيما رواه أبو هريرة-رضي الله عنه-: «نَفْسُ المؤمِنِ مُعلَّقةٌ بِدَيْنِه؛ حتى يُقْضَى عنه»([2])، وما رواه أبو هريرة-رضي الله عنه-أيضا-أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال: «مَن كَانَتْ له مَظْلِمَةٌ لأخِيهِ مِن عِرْضِهِ أَوْ شيءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ منه اليَومَ، قَبْلَ أَلا يَكونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كانَ له عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ منه بقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ، وإنْ لَمْ تَكُنْ له حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ، فَحُمِلَ عليه»([3]).
فالحاصل: وجوب تقديم الوفاء بالدين على كفارة اليمين. والله-تعالى-أعلم.
[1] أخرجه النسائي (1962)، واللفظ له، وقوله: «أنا أولى بِكلِّ مؤمنٍ …» أخرجه مسلم (867) مطولًا.
[2] أخرجه الترمذي (1079)، وابن ماجه (2413)، وأحمد (10607)، وصحَّحه ابنُ مَعينٍ كما في تاريخ دمشق (45/73)، وابن عبد البر في الاستذكار (4/101)، وابن الملقن في شرح البخاري (14/120)، والألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1972)، وحسَّنه الترمذي، وقال النووي في المجموع (5/121): “إسنادُه صحيح أو حسَن”، وجوَّدَ إسنادَه ابن باز في حاشية بلوغ المرام (344).
[3] أخرجه البخاري (2449).