الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فإن على كل من الزوجين مسؤولية في إدارة مسكنهما وتربية أولادهما، فالزوج مسؤول عن النفقة على الزوجة وعلى أولاده، والزوجة مسؤولة عن الخدمة في المسكن، ويشتركان معًا في أمور أخرى كثيرة، وأهمها تربية الاولاد ورعايتهم، والأصل فيه قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-” كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ، فالأميرُ الذي على الناسِ راعٍ عليهم وهو مسؤولٌ عنهم، والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتِهِ وهو مسؤولٌ عنهم، والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلها وولدِهِ وهي مسؤولةٌ عنهم..”([1]).
والزوج في السؤال يريد حصر مسؤولية الزوجة في شؤون البيت فحسب، وبذلك – كما تقول – يحرمها من طلب العلم، الذي يبدو من ظاهر السؤال أنها تتطلع إليه، فإن كان الزوج قد اشترط في عقد زواجه حصر هذه المسؤولية فيما ذكر، وقبلت الزوجة بذلك فالواجب الوفاء بالعقد؛ لقول الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ)(المائدة:1) وقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-(والمسلمونَ على شروطِهم إلَّا شرطًا حرَّم حلالًا أو أحلَّ حرامًا)([2])، وقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كما رواه عَبدِ الرَّحمنِ بنِ غَنْمٍ قال: “شَهِدتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عنه- أُتِيَ في امرأةٍ جَعَل لها زوجُها دارَها، فقال عُمَرُ: لها شَرطُها، فقال رجلٌ: إذًا يُطَلِّقْنَنا، فقال عُمَرُ: إنَّما مَقاطِعُ الحُقوقِ عند الشُّروطِ”([3]) ، أما إذا لم يكن هنالك عقد في حصر هذه المسؤولية فيما ذكر فللزوجة حق مثل ما لمثيلاتها من التعليم والعمل والاتجار، وذلك في حدود الأحكام الشرعية، وطلب العلم حق لكل إنسان، وإذا كان عقد الزواج قد حصر مسؤولية الزوجة في شؤون البيت فإن هذا لا يحرمها من التعليم؛ لأن الله -عز وجل- قال لعباده (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)(النحل:43).
فالحاصل أن مسؤولية الزوجة لا تنحصر في شؤون البيت، ما لم يكن عقد الزواج قد فرض ذلك، وفي حالة هذا الفرض، لا يجوز حرمان الزوجة من التعليم؛ لأنه حق شرعي لا يبطله مبطل.
والله -تعالى- أعلم.
[1] أخرجه البخاري برقم(2409).
[2] صحيح سنن أبي داود للألباني رقمه(3594).
[3] أخرج البخاري قولَ عُمَرَ: (مقاطِعُ الحقوقِ عند الشُّروطِ) معلَّقًا بصيغةِ الجزم قبل حديث (5151). وأخرج الأثرَ بتمامِه موصولًا: سعيدُ بن منصور (1/211 رقم 662)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (16706)، والبيهقي (14826). صحَّحه الألباني في ((إرواء الغليل)) (1891).