سؤال من الأخت س.ي.‎‏ من الجزائر، تقول: أنا متزوجة منذ عامين، وما زلت عذراء إلى الآن لم يتم الدخول، وبعد محاولات في معرفة السبب تبين أن هناك سحرًا ربط وتفريقًا لزوجي عني، ورغم ترددنا على الرقاة، ومحاولة الرقية الشرعية في البيت لم يفك السحر، أنا في حيرة من أمري، فما حكم الدين في هذا الوضع؟ خاصة أنني أعاني من مشاكل من طرف عائلة الزوج؛ مما سبب مشاكل بيني وبين زوجي، رغم أنه كانت بيننا مودة وطيبة وحب من الطرفين. أرجوكم أفيدوني بالنصيحة.

عدم دخول الزوج بزوجته بسبب السحر

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فظاهر المسألة أن الزوج لم يدخل بزوجته رغم مضي عامين على زواجهما، وأن السبب في هذا ما تعرض له من السحر والربط كما تقول، والجواب عن هذا من حيث العموم أن عدم دخول الزوج بزوجته قد يكون سببه مرضيًّا يتعلق بالزوج، وعلاج هذا معلوم لدى الأطباء، وقد يكون السبب عملًا من أعمال السحر؛ فالسحر – كما ذكر -حقيقة ورد النص عليه في القرآن، في قول الله -عز ذكره-: (وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) (البقرة:102).

وقصة نبي الله موسى -عليه السلام- مع فرعون وسحرته معلومة من كتاب الله. وقد تعرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للسحر من قبل المنافق لبيد بن الأعصم من بني زريق، فرفعه الله عنه وشفاه.

وقد اختلف في علاج السحر، فقيل بجواز حله بسحر مثله، واستدل من قال بذلك بقول نسب إلى أحد التابعين وغيره، ولكن الذي لا خلاف فيه أنه يحرم العلاج بما هو محرم في أصله، والشاهد فيه قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام)([1])، ولما سئل – عليه الصلاة والسلام- عن التداوي بالخمر قال: (إنَّ ذلِكَ ليسَ بشفاءٍ ولَكنَّهُ داءٌ)([2])، والسحر فيه شرك وكفر، فالسحرة يسجدون للشياطين، ويشركون بالله ويكفرون به، وليس من شيء أعظم من الشرك، وقد أخبر الله أنه ظلم عظيم في قوله تعالى: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان:13)، كما أخبر -عز ذكره- أنه لا يغفره فقال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ) (النساء:48)، وقال -تقدس اسمه-: (وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا) (النساء:48)، وقوله تعالى: (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ) (المائدة:72)؛ فاقتضى هذا تحريم الشرك وتحريم كل عمل فيه شرك أيا كان مسماه أو معناه، فهذا الأمر واضح وليس محلًّا للتنازع، قال شيخ الإسلام بن تيمية: ” والمسلمون وإن تنازعوا في جواز التَّداوي بالمحرَّمات؛ كالميتة والخنزير، فلا يتنازعون في أنَّ الكفر والشِّرْك لا يجوز التداوي به بحال؛ لأن ذلك محرم في كل حال”([3]).

هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخت، فزوجها إما مريض مرضًا عضويًّا كما أشرنا إلى ذلك، وعلاج هذا معلوم كما أشير إليه أعلاه، وإما يكون قد تعرض لنوع من السحر، وهذا وارد خاصة في هذا الزمان الذي أصبح السحر فيه شائعًا عند الرجال والنساء، وعلاج هذا يمكن بعدة وسائل، منها: الرقية الشرعية من أصحابها المؤمنين، ووسيلتهم في ذلك القراءة على المصاب بما ورد في كتاب الله في سورة الأعراف، وسورة يونس وسورة طه، وغير ذلك من الآيات، كآية الكرسي وسورة الكافرون وسورة الإخلاص والمعوذتين، ونحو ذلك مما يعلمه الرقاة. وتكون هذه الوسيلة إما بالنفث على المصاب، أو تقرأ في إناء فيه ماء مع حبات من السدر يسقي به المصاب. فهذه الوسيلة وإن بدت لبعض الناس غريبة، إلا أنها مما ذكره العلماء. ومن وسائل العلاج الدعاء، فقد أمر الله بدعائه لكشف البأساء والضراء فقال -عز ذكره-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ) (البقرة:186)، وقال -تقدس اسمه-: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ) (غافر:60).

ومن وسائل العلاج البحث عن المسبب للسحر، رجلًا كان أو امرأة، فإذا عرف هذا وجب إجباره على إزالة سحره، والإجبار يكون عن طريق القضاء أو أي سلطة في الدولة؛ لأن الساحر في هذه الحالة مفسد في الأرض، وقد حرم الله الفساد في الأرض في قوله -عز وجل-: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا) (الأعراف:56)، وقال -عز ذكره-: (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص:77).

وإزالة الفساد وإصلاح ما أفسد له طرق كثيرة، فمن سد – مثلًا- طريقًا من طرق المسلمين وجب عليه فتحه، ومن غش المسلمين في طعامهم أو شرابهم أو لباسهم وجب منعه وإزالة ما فعله، ومن آذى جاره أو آذى المسلمين في أحوالهم وجب منعه وعقابه، ومن تعرض للمسلمين بدواء يضرهم وجب منعه وعقابه.. وهكذا في كل الأمور المشابهة.

والله – تعالى- أعلم.

 

[1] أخرجه أبو داود برقم (3874)، صححه السيوطي في الجامع الصغير، (١٦٩٠).

[2] أخرجه مسلم(1984).

[3] الفتاوى الكبرى 3/7-8.