سؤال من الأخت س..ة، يقول: هل تقضى الصلاة الفائتة، سواء تركها متعمدًا أو جهلًا منه؟

هل تقضى الصلاة الفائتة، سواء تركها متعمدًا أو جهلًا منه

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

    ففي سؤال الأخت تفصيل: فمن تركها تهاونًا عاقبه الله بقوله -عز وجل-(فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) (الماعون:٤-٥). والمراد من يؤخر الصلاة عن وقتها ويتهاون فيها، وقوله -عز وجل-: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) (مريم: ٥٩). فالتهاون في الصلاة أو نسيانها يوجب قضاءها، والأصل فيه قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنه لا تَفْرِيطَ في النومِ إنما التفريطُ في اليقظةِ، فإذا سها أحدُكم عن صلاةٍ فلْيُصَلِّها حين يذكرُها ومن الغدِ للوقتِ”([1]).

أما من ترك الصلاة عمدًا وذهب وقتها فله حالتان: الأولى: إن كان قد تعمد تركها لخمس مرات فأقل، فعند الأئمة أبي حنيفة([2])، ومالك([3])، والشافعي([4])، يقضي هذه الصلاة بعد ذهاب وقتها، وفي مذهب الإمام أحمد: قال شيخ الإسلام ابن تيمية:” إن تارك الصلاةِ عمدًا لا يشرع له قضاؤها ولا تصح منه ، بل يُكثرُ من التطوّع “([5]).

وقد يكون التارك للصلاة عمدًا قد أمضى عدة سنوات وهو على حاله هذه، فهذا لا يمكنه أن يقضي هذه الصلاة بحكم العجز وعدم المقدرة، فلعل الصواب أنه يقضي الفائتة إذا كانت خمس مرات أو نحوها، مما هو ممكن عملًا، ثم عليه أن يستغفر الله ويتوب إليه؛ لأنه بتعمده ترك الصلاة -ولو لمرة واحدة- قد تجاوز حدود الله، ومن يتعد هذه الحدود فقد ظلم نفسه؛ لقول الله -عز وجل-: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ )(الطلاق: ١).

والحاصل أن من فاتته الصلاة تهاونًا أو نسيانًا فعليه أن يقضيها، أما من تركها متعمدًا فإن كان هذا الترك مدة طويلة فلا يقضيها بسبب العجز وعدم القدرة، وعليه في هذه الحال التوبة النصوح إلى الله، وكثرة الاستغفار وكثرة الحسنات، لعل في ذلك ما يذهب الذنوب، كما قال -عز وجل-: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)(هود:114).

[1] أخرجه مسلم (681) مطولاً، وأبو داود (441)، والترمذي (177)، والنسائي (615)، وابن ماجه (698) باختلاف يسير.

[2] يراجع : بدائع الصنائع ج 1ص247، والبحر الرائق لابن نجيم ج3ص 86.

[3] : ينظر: مواهب الجليل للحطاب ج2ص67، وحاشية العدوي ص 34.

[4] المجموع  للنووي ج3 ص71.

[5] مجموع الفتاوى ج22ص40.