سؤال من الأخت سوسن من سوريا، يقول: هل يحق للإنسان أن يتبرع بجميع ما يملك لجهات خيرية؟

تبرع الإنسان بكل ماله لجهات خيرية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فالذي يتبرع بكل ماله للجهات الخيرية له في الغالب ثلاثة أسباب: الأول: أن يكون غير راض عن ورثته من أولاد أو إخوة أو عصبة، ويريد أن يحرمهم من ماله، ويلجأ إلى بذله للجهات الخيرية نكاية بهم، مع علمه بحقهم، ولكنه يعتقد أن بذل ماله للجهات الخيرية يرفع عنه الإثم، وهذا لا يجوز؛ لأن الله -عز وجل- فرض حقوق الورثة  وبيّن أنصبتهم، فلم يعد للمورث حق في نفي حقوقهم،  ومن يتعمد حرمانهم يعد متجاوزًا لحدود الله، مع ما يعنيه ذلك من قطيعة الرحم مع أقاربه، وهو أيضًا مما حرمه الله.

السبب الثاني: أن يكون جاهلًا بحق ورثته من بعده، وهذا قد يحدث من بعض العامة ممن يجهل الأحكام الشرعية؛ بسبب بعده عن حواضر المدن، وهذا مما يجب على أهل العلم بيانه لمن يجهله.

أما السبب الثالث، فاعتقاد بعض المجتهدين من العباد أن في بذل أموالهم للجهات الخيرية نفعًا لهم في أخراهم، وخاصة إذا كان ورثتهم أغنياء، وهذا لا يجوز؛ لأن الله -عز وجل- لم يترك للمورث خيارًا في توزيع ماله، بل حدد له الأنصبة وأصحاب الاستحقاق، والأصل في هذا قصة سعد بن أبي وقاص -ر ضي الله عنه- مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال سعد:” جاءَ النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَعُودُنِي وأنا بمَكَّةَ، وهو يَكْرَهُ أنْ يَمُوتَ بالأرْضِ الَّتي هاجَرَ مِنْها، قالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ ابْنَ عَفْراءَ، قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أُوصِي بمالِي كُلِّهِ؟ قالَ: لا، قُلتُ: فالشَّطْرُ؟ قالَ: لا، قُلتُ: الثُّلُثُ؟ قالَ: فالثُّلُثُ، والثُّلُثُ كَثِيرٌ؛ إنَّكَ أنْ تَدَعَ ورَثَتَكَ أغْنِياءَ خَيْرٌ مِن أنْ تَدَعَهُمْ عالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ في أيْدِيهِمْ، وإنَّكَ مَهْما أنْفَقْتَ مِن نَفَقَةٍ، فإنَّها صَدَقَةٌ، حتَّى اللُّقْمَةُ الَّتي تَرْفَعُها إلى فِي امْرَأَتِكَ، وعَسَى اللَّهُ أنْ يَرْفَعَكَ، فَيَنْتَفِعَ بكَ ناسٌ ويُضَرَّ بكَ آخَرُونَ. ولَمْ يَكُنْ له يَومَئذٍ إلَّا ابْنَةٌ”([1]).

فاقتضى هذا أن الوصية تكون بالثلث ولا تجوز الزيادة عليه، فإن أوصى بأكثر من الثلث فلا تنفذ وصيته، إلا إذا أجاز الورثة ذلك بعد موته.

فالحاصل أن الوصية تكون بالثلث ولا تجوز الزيادة عليه، فإن أوصى المورث بأكثر من الثلث جاز ذلك، على ألا تنفذ الوصية إلا بإذن الورثة، ذلك بعد موت المورث؛ فاقتضى هذا أنه لا يجوز للمورث الوصية للجهات الخيرية إذا كان له ورثة.

والله – تعالى- أعلم.

[1] رواه البخاري (2742).