الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله الأمين محمد، وآله وصحابته أجمعين، أما بعد:
ففي فضل العلم وأهله آيات وأحكام كثيرة، فالعلم المنار الذي يهتدي به العبد في حياته، ويتميز به على من لا علم له. فهو رسالة الأنبياء والرسل -عليهم السلام- إلى العباد خصهم الله به ليبلغوه إلى عباده، أي أن الأنبياء والرسل حملوا هذا العلم وبلغوه، وآخرهم وخاتمهم محمد – صلى الله عليه وسلم -، فأول ما نزل الله عليه قول – تعالى-: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ )(القلم:1-5) وقال -عز وجل- لنبيه ورسوله محمد – صلى الله عليه وسلم – : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)(النحل:43) .
وأهل الذكر هم أهل العلم، وقال -تقدس اسمه- : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)(الزمر:9) والمراد به التقرير بأنهم لا يستون فالذين يعلمون خير من الذين لا يعلمون .
هذا في كتاب الله، أما في سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقد ورد في فضل العلم وأهله أحاديث كثيرة، منها قوله -عليه الصلاة والسلام- : (من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سلك الله -عز وجل- به طريقًا إلى طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر)([1]) وقال -عليه الصلاة والسلام- : (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم) ([2]). والأخت في السؤال تقول: إن تركت العلم ومكثت في البيت للتعبد، فربما التبس عليها الأمر، فظنت أن التعبد أفضل من التعليم كونها معلمة للقرآن الكريم، فهذا التعليم أفضل من جلوس في البيت للعبادة؛ لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:( خيركم من تعلم القرآن وعلمه)([3]).
صحيح أن العبادة ذخيرة للإنسان في حياته الآخرة، ولكن العبادة لا تصح إلا بالعلم، فمن يعلم أركان دينه خير من الذي لا يعلمها، فعبادة الأخت لها ولكن تعليمها لغيرها، خير لها ولبلادها وأمتها فلا شك في أن من ينفع نفسه وينفع غيره خير من الذي لا ينفع إلا نفسه.
فالحاصل : أن التعليم عبادة، وأن الذي يعلم غيره أفضل من الذي لا يعلمه، وأن فضل العالم العابد يزيد عن العابد غير العالم سبعين مرة . والأفضل للأخت تعليم القرآن . والله – تعالى- أعلم.
[1] – أخرجه أبو داود برقم (3641).
[2] – أخرجه الترمذي برقم (2685).
[3] – أخرجه البخاري (5027).