الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فالظاهر أن بعض الرجال عندما يعاني في حياته من ضيق و عسر، يبحث في نفسه عن كبش فداء فيلقي بعسره على زوجته، ومنهم من يستشهد بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثَةٍ: فِي الفَرَسِ، وَالمَرْأَةِ، وَالدَّارِ)([1])، وقد اختلف الفهم في معنى هذا الحديث، فقيل إن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون، فنهاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأعلمهم أنه لا طيرة، فلما أبوا أن ينتهوا بقيت الطيرة في هذه الأشياء الثلاثة، وقيل إنما عنى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن هذه الأشياء أكثر مما يتطير به الناس، فمن وقع في نفسه شيء أبيح له أن يتركه ويستبدل به غيره، وقيل إن شؤم المرأة إذا كانت غير ولود، وشؤم الفرس إذا كان لم يغز عليه، وشؤم الدار جار السوء، وروي عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها أنكرت هذا الحديث، فقيل لها إن أبا هريرة قال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الشؤم في ثلاث: “فِي الفَرَسِ، وَالمَرْأَةِ، وَالدَّارِ” فقالت لم يحفظ، دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: قاتل الله اليهود ويقولون التشاؤم في ثلاثة، فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله، وقيل إنها غضبت غضبًا شديدًا، وقالت إنما قال: إنما كان أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك([2]).
قلت: والأقوال في تأويل الحديث كثيرة، ولكن من المهم القول: إن الله -عز وجل- لم يخلق امرأة شريرة ولا دابة شريرة، وقد خلق عباده حنفاء، ولكن الشياطين تعرضوا لهم، فمنهم من آمن ومنهم من كفر، فوعد بجزاء كل منهم بما عمل. فالحق أن يكون المعيار على هذا الأساس أي الصلاح والفساد، فالمرأة تكون مشؤومة إذا كانت غير صالحة في دينها وخلقها، فالشؤم فيها يترتب من اكتساب أسبابه وصفاته، والدابة قد تكون مشؤومة بما تعرضت له من الشياطين، والشاهد فيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ركوب الناقة الملعونة، فعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رضي الله عنه- قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَامْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ، فَضَجِرَتْ، فَلَعَنَتْهَا، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: (خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا، فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ)([3])، فهذه الناقة لم تكن مشؤومة في خلقها، بل بسبب ما تعرضت له.
والبيت قد يكون مشؤومًا عندما تحتله الشياطين، ولا يذكر فيه اسم الله، والشاهد فيه قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا نزل أحدُكم منزلًا فلْيَقُلْ: أعوذُ بكلماتِ اللهِ التامَّاتِ من شرِّ ما خلق، فإنه لا يَضُرُّه شيءٌ حتى يرتحلَ عنه)([4]).
فبهذا يكون الشؤم في المرأة أو الدابة أو المنزل مترتبًا من صفات مكتسبة، خلاف كينونته وصفته.
فالحاصل: أنه – على افتراض صحة الحديث – لا ينبغي أخذ الحديث على ظاهره، فتوصف المرأة والدابة والمنزل بالشؤم خلافًا لحكمة الله في خلقه، فإنه -عز وجل- لم يظلم أحدًا منهم، فقال -عز ذكره-: (إنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) (النساء:40)، وقد قال -تقدس اسمه-: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) (فصلت:46)، فاقتضى ما ذكر وجوب تأويل الحديث، بما يتفق مع حكمة الله في خلقه، وتدبيره وتصرفه فيهم.
هذا في عموم المسألة: أما عن سؤال الأخت، فلا يجوز لزوجها وصفها بهذا الوصف، فالأصل أن يكون قول العبد حسنًا ووصفه حسنًا؛ عملًا بقول الله -عز وجل-: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (البقرة:83)، وقوله -عز ذكره-: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا) (الإسراء:53).
وعلى الأخ في المسألة أن يحمد الله ويشكره على ما أنعم به عليه من الذرية، أي ثلاثة أبناء، فهؤلاء من نعم الله وفضله عليه، فليحمده على ذلك. ومسألة الرزق وما في معناه بيد الله وحده، ولا يستطيع أحد أن يمنعه أو يزيده أو ينقص منه، فالواجب أن يسأل العبد ربه عما قد يواجهه في حياته من عسر وضيق.
والحاصل أنه لا يجوز للزوج في المسألة وصف زوجته بأنها عتبة شر. والله – تعالى- أعلم.
[1] أخرجه البخاري في “صحيحه” (2858)، ومسلم في “صحيحه” (2225).
[2] فتح الباري للحافظ بن حجر العسقلاني ج6 ص 71-73، وشرح النووي على صحيح مسلم ج 9 ص 5969-5973.
[3] أخرجه مسلم برقم (2595).
[4] – أخرجه مسلم برقم: (2708).