الطهارة في اللغة: النقاء من الدنس والنجس، والبراء من كل ما يشين([1])، وهي شرط لأداء العبادات كالصلاة والقراءة في المصحف، وضدها النجاسة وهي القذارة المانعة لأداء العبادات مما هو معلوم من الدين بالضرورة.
والأصل في وجوبها الكتاب والسنة والإجماع والمعقول:
أما الكتاب: فقول الله -عز وجل-: {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين} [البقرة: 222]، وقوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّر} [المدثر: 4]. وقوله –عز ذكره- في مدح أهل (قباء) والثناء عليهم: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِين} [التوبة: 108]، وقوله –جل ثناؤه-: {وَإِنْ كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} [المائدة: 6].
وأما السنة: ففيها قول رسول الله ﷺ (الطهور شطر الإيمان)([2])، وفيها فعله -عليه الصلاة والسلام- فلما حانت صلاة العصر، والتمس الناس الماء للوضوء ولم يجدوه أُتِيَ -عليه الصلاة والسلام- بوضوء، فوضع يده في الإناء وأمر الناس أن يتوضؤوا منه. قال أنس بن مالك: لقد رأيت الماء ينبع من تحت أصابعه، حتى توضؤوا من عند آخرهم([3]).
وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة في سلفها وخلفها على أن الطهارة شرط لصحة العبادة المطلوب فيها التطهر كالصلاة.
وأما المعقول: فإن المسلم في عبادته يناجي ربه وهو في صلاته، ويستشعر رحمته وهو يقرأ كتابه، فكان من اللازم عليه حكمًا وعقلًا أن تكون مناجاته لربه وهو طاهر.
وسؤال الأخت ينقسم إلى قسمين:
الأول: الصلاة في الأرض النجسة: من المعلوم أن الأرض تتعرض لأنواع عدة من النجاسات، منها: أبوال الإنسان فالحيوان المأكول لحمه كالإبل والبقر، وأبوال ما لا يؤكل لحمه كالكلاب والقطط ونحوها، فإن كانت النجاسة سائلة كالبول وجب غسلها فتطهر بالغسل؛ استدلالًا بحديث الأعرابي الذي بال في المسجد، فلما سارع الناس ليؤنبوه على فعله، قال لهم رسول الله ﷺ: (دعوه، وأريقوا على بوله ذنوبًا من الماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)([4]). فإن كانت النجاسة رطبة فتطهر بالغسل، وقد تطهر بالجفاف مدة معلومة، أما إن كانت النجاسة جامدة كالعذرة أو الأوساخ والقاذورات المتجمدة، فلا تزول نجاستها إلا بزوالها ذاتها.
وحول هذه المسألة يثور السؤال حول الأرض التي تتعرض للنجاسات كالصرف الصحي، خاصة في هذا الزمان الذي تسقى فيه الحدائق العامة ونحوها بماء هذا الصرف.
وقد تباينت آراء الفقهاء في هذه المسألة:
فمنهم من يرى أن الأرض إذا تعرضت للنجاسة ثم جفت وذهب أثرها طهرت.
ومنهم من يرى خلاف ذلك، ومن المعلوم، أن ماء الصرف الصحي فيه ما يكون على طبيعته من جريانه من المجاري ممزوجًا بأنواع عدة من النجاسات: كالدماء والأبوال والعذرة، فهذا يكون قذرًا ونتنًا فسقي الأرض منه يجعلها نجسة، وقد تطول مدة نجاسته فلا تجوز الصلاة فيها.
ومن مياه الصرف الصحي ما يكون منقى بواسطة الأجهزة، وهذا له عدة مراحل، منها ما يكون بسيطًا، ومنها ما يكون مركبًا، ومهما قيل عن عزل الأوساخ التي تصدر من المدن بهذه الكثافة فإنه يبقى في النفس شيء من طهارتها، فالأحوط والأسلم تجنب الصلاة في الأرض التي تسقى منها.
وعلى هذا إن كانت الأرض قد تعرضت لنجاسة من بول أو دم ونحوه فلا تجوز الصلاة فيها ما لم تغسل إن كانت هذه النجاسة سائلة، أما إذا كانت جافة فتجب إزالتها عينها. ووضع السجادة على الأرض النجسة (سائلة أو جافة) لا يطهرها؛ لأن نجاستها تنجس ما يوضع عليها.
القسم الثاني من سؤال الأخت عما إذا كانت الصلاة تجوز في الثياب إذا كانت النجاسة فيها جافة.
الأصل في المكان أو البدن أو الثياب الطهارة، فإذا تعرضت الثياب لنجاسة وجب إزالتها بغسلها، سواء كانت نجاستها سائلة أو جافة، فإن كانت بينة في جزء من الثوب، وجب غسل هذا الجزء، وإن كانت متناثرة فيه وجب غسله كله، فإن بقي من أثر النجاسة شيء لا يذهبه الغسل عفي عنه، والأصل فيه ما روته أسماء بنت أبي بكر –رضي الله عنهما-: أن امرأة أتت إلى رسول الله ﷺ فقالت: إن إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة كيف تصنع به؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: (تَحُتُّه ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه ثم تصلي فيه)([5])، فإن لم يزل لونه وكانت إزالته مما يشق عفي عنه؛ لقوله ﷺ: (ولا يضرك أثره)([6]). وفي كل الأحوال يجب التيقن من إزالة النجاسة من الثياب، سواء كانت يابسة أو جافة، وفي وسائل النظافة المعاصرة ما يزيل أي أثر للنجاسة([7]).
وخلاصة المسألة: أن الأرض إذا تعرضت للنجاسة من بول أو دم أو نحوه، فلا تجوز الصلاة فيها ما لم تغسل، سواء كانت هذه النجاسة سائلة أم جامدة، ووضع السجادة عليها – كما سألت الأخت- لا يكفي لطهارتها؛ لأن نجاستها لا تزول إلا بنظافتها عينها. هذا ما يتعلق بطهارة الأرض، أما ما يتعلق بطهارة الثياب، فإن كانت النجاسة في جزء منها، وجب غسل هذا الجزء، وإن كانت متناثرة عليها فيجب غسلها كلها، فإن بقي من أثر النجاسة شيء لا يذهب بالغسل عفي عنه؛ لحديث أسماء بنت أبي بكر –رضي الله عنهما- المشار إليه آنفًا.
وفي كل الأحوال يجب التيقن من زوال النجاسة في الثياب، سواء كانت يابسة أم جامدة، وفي وسائل النظافة المعاصرة ما يزيل أثر النجاسة من لون أو ريح أو خلافه.
والله تعالى أعلم.
([2]) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، برقم (223)، صحيح مسلم بشرح النووي ج2 ص 1115.
([3]) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة برقم (169) فتح الباري ج1 ص325.
([4]) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب صب الماء على البول في المسجد برقم (220) فتح الباري ج1 ص386.
([5]) أخرجه البخاري (٢٢٧)، ومسلم (٢٩١)، أخرجه الإمام أحمد في مسنده ج2 ص364.
([6]) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب نجاسة الدم وكيفية غسله برقم(291) صحيح مسلم بشرح النووي ج2 ص1307.
([7]) انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني ج1 ص84 والفتاوى الهندية للشيخ نظام وجماعة من علماء الهند الأعلام ج1 ص47-51 والاختيار لتعليل المختار للموصلي ج1 ص32-36، والكافي في فقه أهل المدينة المالكي لابن عبد البر ص18-19، وعقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة لابن شاس ج1 ص22-23، وروضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي ج1 ص27-29، والوجيز في فقه مذهب الشافعي لأبي حامد الغزالي ج1 ص8-9، والمهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي ج1 ص49، والمغني لابن قدامة ج2 ص488-490، والروض المربع شرح زاد المستقنع للبهوتي ج1 ص96-99.