سؤال من الأخت سماح من الجزائر، تقول فيه: سائلة تقول: إنها لما كانت تدرس في البكالوريا كانت تدعو الله في صلاتها بأنها لو كتب الله لها النجاح في الشهادة فإنها تصوم الاثنين والخميس، وأنها تصلي النوافل-وتقول: لا تدري: هل قصدت الرواتب أو مطلق النوافل؟-، وتكمل حفظ القرآن قبل تخرجها في الجامعة، أي: أنها قطعت وعدًا مع الله، أنها لو كتب لها النجاح، فستقوم بفعل هذه الأشياء، وبالفعل نجحت في البكالوريا، ولم تفعل الأشياء التي عاهدت بها الله؛ لجهلها حينها بأن هذا من العهد أو من النذر الذي يجب على المرء الوفاء به، فهي تقول: إنها كانت جاهلة بالنذر أساسًا، ولم تسمع به من قبل، ولا تعرف شيئًا عن أحكامه، ومرت سنوات طويلة من نجاحها، وهي لم تعط للوعد الذي ألزمت نفسها به أهمية، حتى قبل ثلاث السنوات الأخيرة سمعت في التلفاز من المشايخ أن هذا النوع من العهد هو من النذر المعلق، الذي يجب الوفاء به، وأنه لو لم يُوفِ به صاحبه يخشى عليه النفاق، وهي الآن منذ أن سمعت بخطورة ما قامت به دخلت في حالة نفسية صعبة من القلق والحزن والبكاء، وندمت ندمًا شديدًا على ما ألزمت به نفسها؛ لأنها الآن وجدت نفسها أنها لا تستطيع أن توفي بما وعدت به؛ لمشقتها وصعوبتها عليها، وقد كان عمرها في ذلك الوقت عندما عاهدت الله 18 سنة، وكانت جاهلة بأمور كثيرة من دينها، خصوصًا ما تعلق بالنذر، والسؤال هو: هل هذا النوع من الوعد يدخل في النذر الذي يجب الوفاء به، مع أنها كانت جاهلة به، ولم تسمع به حينها، ولم يات في ذهنها حين كانت تعاهد الله، ولم تأت بصيغة النذر؟، وإن لم يكن من النذر فهل يدخل في العهد الذي قال عنه الله: ﴿وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولًا﴾؟، فما قولكم شيخنا! تجاه هذه السائلة التي تغيرت حياتها بسبب ما عاهدت به؟، وهي الآن لا تقدر على الالتزام به على الدوام، فربما استطاعت أن تصوم الاثنين، ولا تستطيع أن تصوم الخميس، أو أنها تصلي اليوم الرواتب كاملة، وغدًا لا تستطيع القيام بها كاملة، فأفيدونا بجواب كاف شاف، يشفي غليلها، وجزاكم الله خيرًا.

حكم من نذر نذرًا ولم يستطع الوفاء به

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله الأمين، وعلى آله وصحابته، ومن تبعهم إلى يوم الدين، أما بعد:

فالأصل في مشروعية النذر كتاب الله، وسنة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، أما الكتاب فقول الله -عز ذكره-: ﴿وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾ (البقرة: 270)، وقوله -جل ثناؤه-: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ (الحج:29)، وقوله-جل وعلا-: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾ (الإنسان:7)، وأما السنة فقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه»([1]).

ومع هذا فالأصل أن النذر لا يُستحَبُّ؛ بدليل ما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن النذر لا يرد شيئًا، ولكن يستخرج من البخيل»([2]).

ويصح النذر وينعقد إذا كان المراد منه قربةً إلى الله -عز وجل-، كمن نذر أن يصلي صلاة الضحى إذا نجح في دراسته، أو كما فعلت الأخت في السؤال، أنها إذا نجحت في دراستها فسوف تعمل كذا، ولا يصح-بل يحرم-النذر إذا كان المراد منه معصية الله، كمن نذر إذا نجح في دراسته أن يفعل محرمًا، فهذا النذر لا ينعقد؛ لأنه معصية، ولا نذر في معصية.

أما الوفاء بالنذر أو عدمه فعند الإمام أحمد: أن النذر المباح ينعقد، ولكن الناذر في الخيار بين الوفاء به وتركه، فإن تركه لزمته الكفارة، وهي كفارة يمين.

  والحاصل: أنه بما أن الأخت في السؤال لم تستطع الوفاء بنذرها؛ لصعوبةٍ واجهتها، فيمكن لها أن تترك نذرها، وتكفِّرَ عنه كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، أو صيام ثلاثة أيام، فالأمر على التخيير، فيمكن للأخت إما أن تطعمَ عشرة مساكين، أو تكسوَهم -إطعاما أو كساء وَسَطًا-، أو تصوم ثلاثة أيام متتابعة مرة واحدة، وأما تحرير الرقبة فمتعذر؛ لعدم وجود الرق في الوقت الحاضر.

[1] –  أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور، باب النذر في الطاعة برقم (6696).

[2] – أخرجه ابن حبان في صحيحه برقم (4377)، أخرجه البخاري (٦٦٩٣)، ومسلم (١٦٣٩) باختلاف يسير ..