الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله الأمين، وعلى آله وصحابته، ومن تبعهم إلى يوم الدين، أما بعد:
فالأصل في مشروعية النذر كتاب الله، وسنة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، أما الكتاب فقول الله -عز ذكره-: ﴿وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾ (البقرة: 270)، وقوله -جل ثناؤه-: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ (الحج:29)، وقوله-جل وعلا-: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾ (الإنسان:7)، وأما السنة فقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه»([1]).
ومع هذا فالأصل أن النذر لا يُستحَبُّ؛ بدليل ما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن النذر لا يرد شيئًا، ولكن يستخرج من البخيل»([2]).
ويصح النذر وينعقد إذا كان المراد منه قربةً إلى الله -عز وجل-، كمن نذر أن يصلي صلاة الضحى إذا نجح في دراسته، أو كما فعلت الأخت في السؤال، أنها إذا نجحت في دراستها فسوف تعمل كذا، ولا يصح-بل يحرم-النذر إذا كان المراد منه معصية الله، كمن نذر إذا نجح في دراسته أن يفعل محرمًا، فهذا النذر لا ينعقد؛ لأنه معصية، ولا نذر في معصية.
أما الوفاء بالنذر أو عدمه فعند الإمام أحمد: أن النذر المباح ينعقد، ولكن الناذر في الخيار بين الوفاء به وتركه، فإن تركه لزمته الكفارة، وهي كفارة يمين.
والحاصل: أنه بما أن الأخت في السؤال لم تستطع الوفاء بنذرها؛ لصعوبةٍ واجهتها، فيمكن لها أن تترك نذرها، وتكفِّرَ عنه كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، أو صيام ثلاثة أيام، فالأمر على التخيير، فيمكن للأخت إما أن تطعمَ عشرة مساكين، أو تكسوَهم -إطعاما أو كساء وَسَطًا-، أو تصوم ثلاثة أيام متتابعة مرة واحدة، وأما تحرير الرقبة فمتعذر؛ لعدم وجود الرق في الوقت الحاضر.
[1] – أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور، باب النذر في الطاعة برقم (6696).
[2] – أخرجه ابن حبان في صحيحه برقم (4377)، أخرجه البخاري (٦٦٩٣)، ومسلم (١٦٣٩) باختلاف يسير ..