سؤال من الأخت سارة من الجزائر، تقول: شخص يقترض مبلغًا ماليًّا من البنك من أجل شراء آلات ليفتح مشروعًا، ثم يرد المال بالتقسيط، هل يجوز ذلك؟

اقتراض مبلغ من البنك لإنشاء مشروع تجاري

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فسؤال الأخت يتعلق بما إذا كان من الجائز شرعًا الاقتراض من البنك لإنشاء مشروع تجاري، فهذا يتعلق بمسألة الربا التي تتعامل به البنوك في هذا الزمان، أو هي بالأصح تقوم عليه بسبب توسع النشاط التجاري والاقتصادي، ومع أن هذا التعامل مما عمت به البلوى وتساهل فيه كثير من الناس، فإن من المعلوم من دين الله بالضرورة أن الربا محرم بأنواعه وصوره وصفاته، وقد وصفه الله بالحرب عليه وعلى رسوله؛ لما فيه من الأضرار الجسيمة واستغلال القوي للضعيف.

والأصل في تحريمه كتاب الله وسنة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-:

أما الكتاب: فنزل هذا التحريم على ثلاث مراحل: فأول ما نزل فيه في مكة قول الله -تعالى- مخاطبًا من فيها ومن حولها: {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم: 39]. المرحلة الثانية قول الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 130]. وأما المرحلة الثالثة: فقوله -عز ذكره -: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275]. هذه صورته في كتاب الله.

أما تحريمه في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فقد بينه لأمته في حجة الوداع، فأبطل ربا النسيئة بقوله: (وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله)([1]). وكان هذا الربا شائعًا عند العرب في جاهليتهم، فكان الدائن يقرض المدين الدراهم إلى أجل معلوم ويزيد عليها بزيادة الأجل، فإذا حق أجل الدين ولم يوفه المدين ضاعف له الدراهم فضاعف الأجل، وعظم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الربا؛ كما رواه عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعن آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه)([2]).

هذه نبذه بسيطة عن تحريم الله للربا في شتى أنواعه، ومهما قيل في تأويله وضروراته إلا أنه يظل محرمًا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ لأن من حرمه أعلم بما ينفع عباده وما يضرهم، ولو كان فيه خير لما حرمه وحرمه رسوله، وتوفيقًا بين ما يقال عن تعامل البنوك بالربا وحاجة التاجر إلى توسيع تجارته- نشأت بعض الأفكار التي تحاول حل هذا الإشكال، فاستعانت بعض البنوك برجال من أهل العلم لإيجاد مخارج تساعد المحتاج على تحقيق حاجته في الاقتراض، مع الحفاظ على شرعية هذا الاقتراض.

 وحاصل القول: أن البنك لا يقرض أحدًا إلا بفائدة ربوية، فمن يستدين كما ذكرته الأخت السائلة فلا بد من أن يكون ملتزمًا بسداد الدين وفوائده، وهذا أصل الربا، فلعل من ينوي الاستدانة يستعفف عن الاستدانة، فمن يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، كما قال ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-([3])، ولعل الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب، فإن وجد صاحب المشروع المشار إليه طريقة لدى إحدى البنوك تحقق له حاجته في إنشاء مشروعه، مع البعد عن الربا فذلك خير.

والله -تعالى- أعلم.

 

[1] – أخرجه مسلم برقم (1218).

[2] – أخرجه الترمذي برقم (1206) صححه الألباني في صحيح الجامع، (٥٠٩٠).

[3] رواه البخاري (1469) ، ومسلم (1053) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.